الخطب والمحاضرات

أكرموها قبل أن تفقدوها

2010-02-10



أكرموها قبل أن تفقدوها

مسجد خالد بن الوليد

ربيع الثاني1429هـ

الحمد لله الذي شرع لعباده ما يحقق لهم في دنياهم السعادة، وفي آخرتهم الحسنى و زيادة، والصلاة والسلام على من أعز المرأة بعد هوانها، وأكرمها بعد امتهانها،صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. و أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله.

أيها الإخوة المؤمنون:

تحدثت في الجمعة الماضية عن أوضاع بعض الأزواج مع زوجاتهم، وعن أوجه التقصير في حقوق الزوجات وما هو الواجب على الأزواج في تلك الأوجه، و اليوم أواصل الحديث عن ما لم أتمكن من الحديث عنه:

- من ذلك إيذاء الزوجة بالسب و الشتم و التنقيص و الاستهزاء، وقد كثرت الشكوى من كثير من الزوجات يشكون من أزواجهن هذا الخلق السيئ والخصلة المذمومة، وهذا دليل على جهل عميق وانحراف في الفطرة سحيق قال صلى الله عليه وسلم: (ليس الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ ولا اللَّعَّانِ ولا الْفَاحِشِ ولا الْبَذِيءِ) ( [1] ) وقال صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) ( [2] ). و نهى الله عن أذية المؤمنين عامة فقال: [وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا] فأذية المؤمنين جميعاً لا تجوز بل هي من كبائر الذنوب، فكيف بأقرب الناس إليك و أعظمهم حقاً عليك؟! الذين أوصى الله بالإحسان إليهم وقرن حقهم بحقه في قوله تعالى: [وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَالجَارِ ذِي القُرْبَى وَالجَارِ الجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا] فالصاحب بالجنب على قول بعض المفسرين هو الزوجة، فكيف يجمع المسلم بين طاعة الله والإحسان إليها وإهانتها بالسب و الشتم وبذيء الكلام؟! إن ذلك تناقض بيّن، وخروج واضح عن أدب الشرع وتمرد على الحق. صحيح أن المرأة قد تكون بعض تصرفاتها وبجهلها وسوء خلقها هي المتسببة في ذلك، لكن كيف يبرهن الرجل على تميزه على المرأة وارتفاع درجته عليها إلا بالصبر و التحمل وحسن المدارة لها، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الأزواج بذلك ونبههم إليه فقال: (إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلاَقُهَا) ( [3] ).

وهذه الوصية التى أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم أمته، قد طبقها هو صلى الله عليه وسلم خير تطبيق، فكم عانى من طلبات زوجاته و تصرفاتهن و غَيرتهن من بعضهن البعض، وحسبك هذا المثال: فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مع خَادِمٍ بِقَصْعَةٍ فيها طَعَامٌ فَضَرَبَتْ بِيَدِهَا فَكَسَرَتْ الْقَصْعَةَ فَضَمَّهَا وَجَعَلَ فيها الطَّعَامَ وقال كُلُوا وَحَبَسَ الرَّسُولَ وَالْقَصْعَةَ حتى فَرَغُوا فَدَفَعَ الْقَصْعَةَ الصَّحِيحَةَ وَحَبَسَ الْمَكْسُورَةَ) ( [4] ).

فتصور يا عبدالله: رسول الله سيد البشر أجمعين في بيته وبين أصحابه تقدُم تلك الزوجة أمامه وأمام أصحابه على ذلك الفعل؟! فكيف تتصور الرد؟ كيف لو كنت أنت مكانه وفعلت ذلك زوجتك أمام ضيوفك؟ ماذا كنت فاعلاً بها؟.

ولكن صاحب الخلق العظيم استوعب الأمر، و قدّر الموقف، وعرف أن المرأة ضعيفة تغلبها الغيرة، و يتغلب عليها الانفعال وتفقد أعصابها في بعض المواقف؛ فعفا عن حقه وأنصف صاحبة الحق وكسب قلب تلك المرأة، وظهرت المودة والرحمة ها هنا في أجلى صورها.

ولو إننا اقتدينا برسول الله صلى الله عليه وسلم في مواقفه هذه، وصَبرَ كل من الزوجين على صاحبه وتفهم موقفه وقدر وضعه، ما حصل ما هو معلوم من فتن و مشاكل وطلاق وخراب للبيوت و تشتيت للأسر. فعلى الزوج أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في حلمه وحكمته وحسن تصرفه، وعلى الزوجة أن لا تظن بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن ذلك هو طبعها و خلقها، بل يجب أن تعلم أنها الصدِّيقة بنت الصديق من أكمل النساء عقلاً وديناً و علماً وخلقاً، تربت بين بيتي الصديقية و النبوة، وما حصل منها إنما هو دليل على أن العصمة للأنبياء وحدهم، وهو من نوادر تصرفاتها و ليس من طبعها ولا عاداتها. فلتقتدِ بها وبسائر أمهات المؤمنين وصالح نساء المسلمين، في ما هو غالب عليهن من حسن الخلق و حسن معاشرة الزوج وحسن مراعاته و التحبب إليه؛ لأنها تكون بذلك من خير النساء وأعظمهن بركة. قال صلى الله عليه وسلم: (خير نسائكم الودود الولود المواتية المواسية إذا اتقين الله) ( [5] ). فانظري هذه الصفات التى تجعل المرأة من خير النساء فاتصفي بها.

عباد الله:

تلك هي بعض المشاكل التى تكون بين الزوج و زوجته، وهناك مشاكل أخرى يكون الزوجان فيهما ضحية لتصرفات و نفسيات غيرهما. وهي المشاكل التى تكون بين الزوج وأهل زوجته أو بين الزوجة و أهل زوجها دون أن يكون الزوجان طرفاً فيهما، أما ما يكون بين الزوج و أهل زوجته فالغالب أن أصل المشكلة هي أهل الزوجة حينما يكون لهم أهواء أو مطالب أو أمزجة يريدون من الزوج تحقيقها، وليس الزوج ملزماً بذلك شرعاً، وعند ذلك يتدخلون بينه وبين زوجته ويعملون ما في وسعهم للتنكيد عليه، وإغراء ابنتهم بعصيانه وإساءة معاملته والضغط عليه حتى يرضخ لمطالبها أو يفارق ابنتهم.

وهكذا أهل الزوج قد يتعقدون من الزوجة، و يبغضونها لا لشيء إلا لأنها لم توافق هواهم أو لم تحلُ لمزاجهم، أو غير ذلك من الأسباب غير الشرعية، وهؤلاء الأهل أهل الزوج أو أهل الزوجة بذلك التصرف وتلك الأخلاق يقعون في عدة ذنوب، وأخطاء كبيرة منها:

- إفساد ذات البين وهو من أكبر الذنوب و أقبحها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ من دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ قالوا بَلَى قال صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ فإن فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ) ( [6] ).

- وهم كذلك يقومون بوظيفة الساحر الذي تعلم الشياطين قال تعالى عن السحرة: [فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ].

- وهم أيضاً يحققون رضا الشيطان وسخط الرحمن فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشيطان عندما يبث جنوده للإفساد بين الناس يكون أرفعهم درجة عنده وأحبهم إليه من تمكن من التفريق بين المرء وزوجه، وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، وأوعد بالبراءة ممن فعله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من خَبَّبَ خَادِماً على أَهْلِهَا فَلَيْسَ مِنَّا وَمَنْ أَفْسَدَ امْرَأَةً على زَوْجِهَا فَلَيْسَ هو مِنَّا) ( [7] ).

فعلى الزوجة أن تعلم أنه بعد زواجها فإن خدمتها لزوجها وطاعتها لزوجها ومصلحتها في زوجها، وإذا تعارض طلب الزوج مع طلب والديها فإن طلب الزوج مقدم على طلب والديها، فإن طلب الزوج الشرعي مقدم على طلب الوالدين إذا لم تستطع أن تجمع بين تحقيق الطلبين، ولكن مع إبقاء حسن البر والمعاملة و الأخلاق لوالديها، وليس بمواجهتهم بما يكرهون.

كما أن على الزوج أن يعلم أن عليه العدل بين والديه وبين زوجته، فلكلٍ من الطرفين عليه حقوق يجب أداؤها، والسعيد من وفق لأداء حقوق الأبوين و الزوجة دون إخلال أو تناقض، وفي حال عدم التوافق فإن عليه العدل، فبرُّ والديه لا يعني ظلم زوجته أو إهانتها وإذلالها وتركيعها بين أيديهم، كما أن حقوق زوجته لا تعني متابعتها على أهوائها و سماع كلامها وإتباع أوامرها التي تجعله يعق والديه أو يقصر في حقوقهما. وإنه وللأسف يحصل من كثير من الأزواج الميل الواضح من طرف ضد طرف آخر.

والأدهى على المرأة و الأمر، هو أن يفقد الزوج شخصيته في بيته فلا يتصرف في نفسه ولا في زوجته و لا أولاده، وسيأتي الحديث عنها في الخطبة القادمة إن شاء الله تعالى.

 

 

 


 

[1] رواه الترمذي 4 /350 برقم 1977، أحمد 1/404 برقم 3839وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم: 5381.

[2] رواه البخاري 1/13 برقم 10 ، مسلم 1 / 65 برقم 40.

[3] رواه البخاري 2/1987 برقم 4889، و مسلم 2 / 1091 برقم 1468واللفظ له.

[4] رواه البخاري 2 /877 برقم 2349.

[5] انظر حديث رقم 1849 السلسة الصحيحة.

[6] رواه الترمذي 4 / 663 برقم 2509 وغيره وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم: 2595.

[7] رواه أحمد 2 / 397 برقم 9146 والبيهقي 8 / 13 برقم 15591 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم 324.

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع الشيخ أحمد المعلم