الخطب والمحاضرات

الحج فضــائل وأحــكام

2010-02-21



الحمد لله الذي جعل بيته مثابة للناس و أمناً، وبوأ لإبراهيم مكانه تكرماً منه ومنّاً، و أمر أن يؤذن في الناس بحجه فلباه المؤمنون حساً ومعنى، وتوارث المخبتون حجه قرناً فقرناً، حتى بزغ فجر الإسلام فجعله الله له ركناً.

والصلاة و السلام على أشرف من حج واعتمر، وأفضل من تعبد وذكر، سيدنا محمد القائل "خذوا عني مناسككم" [1] ) لتتعلم حجه وتقتفي أثره صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن على طريقته استمر.

وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له لا تنفعه طاعة من شكر، ولا تضره معصية من كفر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بكل خير أمر، وعن كل شر حذر وزجر.

أما بعد:

عباد الله:

أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله:

أيها الأخوة المؤمنون:

هذا موسم الحج قد أقبل، وقد شد الموفقون رحالهم إلى البيت العتيق، يتوافدون إليه رجالاً وعلى كل ضامر من كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام.

ليقضوا ركناً من أركان الإسلام فرضه الله بقوله تعالى: [فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ] .

ورتب على أدائه الأجر الكثير والفوز الكبير من مغفرة الذنوب والفوز بالجنة ونعم المصير، يقول الرسول r : ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) [2] ) و يقول: (من حجَّ فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ) [3] )..

ولذا فإن أفئدة المؤمنين تهفوا إلى تلك المشاعر وتحن إلى تلك الأماكن وتتطلع إلى أداء تلك المناسك، والفوز بما فيها من نفحات عميمة وجوائز كريمة، فهنيئاً لمن وفقه الله إلى ذلك.

أيها الإخوة:

وبما أن تلك الفرص لا تتكرر فيجب اغتنامها على أفضل وجه حتى لا تندم على ضياعها ولا تتحسر. وهناك أصلان عظيمان لا بد من توفرهما لمن أراد أن يقبل عمله ويتحقق أمله:

أولهما: الإخلاص وترك الرياء: يقول الله تعالى:[وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ] و يقول: { فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} . و يقول الرسول r فيما يرويه عن ربه عز وجل (أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) [4] ) .

فعلى المسلم أن يخلص قصده وعمله لله ......الخ.

والثاني:المتابعة: المتابعة في جميع الأعمال، فلا يقبل الله عملاً إن لم يكن مأخوذاً عن رسول الله r. يقول الله تعالى:[اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ] ويقول جل جلاله: [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا].

ومن أجل ذلك (فإن رسول الله r مكث تسع سنين لم يحج ثم أذَّن في الناس في العاشر بأن رسول الله r حاج فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله r و يعمل مثل عمله) [5] ) و كان يكرر عليهم في كل مرحلة من مراحل حجه هذه العبارة: (خذوا عني مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا) [6] ) حرصاً منه r أن يقتدوا به ويتعلموا عنه مناسك حجهم؛ لينالوا القبول والفوز بالمأمول. ومن هنا نعرف أهمية تعلم كيفية الحج و معرفة أحكامه.

ومما يجب معرفته أيها الإخوة أن رسول الله r جعل لأمته مواقيت مكانية، لا يجوز تجاوزها لمن أراد الحج أو العمرة إلا محرماً، و من تعداها بدون إحرام فقد أثم ووجب عليه الرجوع إليها ليحرم منها، أو يلزمه دم جزاء على ترك ذلك الواجب من واجبات الحج.

وميقاتنا أهل اليمن يلملم، من مرَّ به لزمه الإحرام منه، ومن سافر بالطائرة لزمه الإحرام عند محاذاته من الجو، ولا يجوز له تأخير الإحرام إلى جدة كما قرر ذلك مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة.

وقد كان من علماء هذه البلاد من يفتي أن يُؤخَّر الإحرام إلى جدة ثم يحرم من عند الميناء القديم من جدة، ولا أظن أن هذه الفتوى تصح ولو فرض صحتها فإن العمل بها غير ممكن؛ لأن الحجاج يجبرون على التوجه من المطار إلى مكة، ولا يسمح لهم بالنزول إلى جدة إلا بعد الوصول إلى مكة. فلا يغرُّ الحاج نفسه ولا يتعرض لترك ذلك الواجب دون مسوِّغ.

وأما من قصد الذهاب مباشرة إلى المدينة فيجوز أن يؤخر الإحرام، وعند عودته إلى المدينة يحرم من بئر علي ميقات أهل المدينة لقول النبي r في المواقيت: (هن لهن و لمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج و العمرة) [7] ) .

أيها الإخوة المؤمنون:

وليس هناك أي حرج من الإحرام في الطائرة، فعلى الحاج أن يستعد بالاغتسال والحلق ونظافة بدنه من منزله، ثم يستعد بالإحرام إن وُجد؛ لأن لبس البياض أفضل من غيره، فإن لم يوجد الإحرام المعروف أخذ أي إزار - صارون أو فوطة - بأي لون كانت فيلبس الإزار و الرداء ويتجرد من الثياب الأخرى كغطاء الرأس بالنسبة للرجل والقميص والملابس الداخلية، ثم يحرم في فوطة إزار وأخرى رداء، فإن لم يجد فوطة وإنما كان معه فقط السراويل – البنطلون - فيجوز له أن يحرم فيه مع خلع الملابس الأخرى لقول الرسول r (فمن لم يجد الإزار فليلبس السراويل) [8] ) . وذلك حتى يصل إلى مكان يستطيع فيه شراء الإحرام ولباسه، ولا إثم عليه في ذلك ولا فدية إن شاء الله.

وأما النساء فيحرمن بثيابهن العادية مادامت ساترة و طاهرة وعليهن أن يتجنبن لبس البرقع و اللثام و القفازين - أي جوارب اليدين - و يغطين وجوههن بالغشاء الذي يسدل من أعلى الرأس على الوجه عند مخافة نظر الرجال إليهن.

 


[1] رواه مسلم 2 /943 برقم 1297 بلفظ " لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ ".

[2] البخاري 2 / 629 برقم 1683 ، مسلم 2 / 983 برقم 1349

[3] البخاري 2 / 553 برقم 1449 ،مسلم 2 / 983 برقم 1350.

[4] رواه مسلم 4 / 2289 برقم 2985

[5] رواه مسلم ( 2/887) رقم 1218.

[6] تقدم تخريجه.

[7] رواه البخاري 2 / 555 برقم 1454، مسلم 2 /839 برقم 1181

[8] رواه البخاري 2 / 654 برقم 1746

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع الشيخ أحمد المعلم