الخطب والمحاضرات

( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَـَٔانُ قَوْمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعْدِلُواْ ۚ ٱعْدِلُواْ )

2010-03-09



(( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا))

22/3/1432هـ

أحمد بن حسن المعلم

خالد بن الوليد

1- خطبة الحاجة.

قال تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ ).

في هذه الآيات أمر ونهي ونتيجة:

أما الأمر: فهو بأن تكون من بين أمة محمد أمة أي جماعة تقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير، وقيل بل يجب أن تكون الأمة كلها كذلك أي جميع الأمة داعية إلى الخير آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر، وهذا الذي يجلب لهم الفوز والسعادة والنجاح في الدنيا والآخرة (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ). ثم إن الله نهى عن أمر آخر هو التفرق والاختلاف والنزاع والشقاق: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ثم بين إن يوم القيامة تبيض وجوه وتسود وجوه، تبيض وجوه مَن؟ تبيض وجوه أهل السنة والاتباع والألفة والمحبة والأخوة كما قال ذلك ابن عباس، وتسود وجوه أهل البدعة وأهل الفرقة وأهل التناحر والاختلاف، ثم بين النتيجة وهي هذه، تبيض وجوه قوم وتسود وجوه آخرين، فلنكن ممن يسعى إلى أن يبيض وجهه يوم القيامة.

أيها الإخوة:

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير هي وظيفة هذه الأمة وسبب خيريتها، قال تعالى لرسوله صلى الله عليه ومسلم: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) وأمره أن يعلنها شعاراً ومبدأ له ولأتباعه مبدأ الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتغيير لما فيه الخير والفلاح والسداد قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} فالدعوة إلى الله والأمر وبالمعروف والنهي عن المنكر والعمل على إزالة الشر وتكثير الخير هو سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبيل من اتبعه، وقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل عظيم من أصول الإسلام، يدخل فيه عدد من العبادات العظيمة التي لابد أن يمارسها المسلمون كلٌ على حسب موقعه ومكانته وإمكانياته، فيدخل فيها: الجهاد بأنواعه، والتعليم والتربية، والأخذ على أيدي المفسدين والظلمة، وبالجملة فإنه يدخل تحت أصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جميع وسائل التغيير نحو الأفضل والأحسن، وسد طرق الفساد والإفساد.

وقد قررت هيئة علماء اليمن: أن التظاهر السلمي والاعتصام ونحوهما من الوسائل المعاصرة للتعبير عن الرأي بالضوابط الشرعية، نوعٌ من أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فلا يجوز للدولة ولا غيرها أن تقوم بمنعه ما دام منضبطاً بالضوابط الشرعية غير منحرف عن هدفه وسبيله، بل يجب على الدولة أن تحمي المتظاهرين وتمنع من الاعتداء عليهم، وتتخذ كل الوسائل التي تحول دون الاحتكاك بينهم وبين مَن قد يعارضهم؛ حتى لا يحدث الاصطدام والشجار وما هو أبعد من ذلك، وقرر العلماء أن كل اعتداء على من يمارس حقه في ذلك بالاعتقال أو الضرب أو القتل أو غيره هو جريمة عمْدية لا تسقط بالتقادم، ويجب أن يعاقب عليها الآمر بها والمنفذ لها.

أيها الأخوة المؤمنون:

إذا عرفنا أن التظاهر والاعتصام ونحوهما يدخلان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا توفرت فيها الضوابط الشرعية، فما هي الضوابط الشرعية لذلك؟.

الجواب: لا يمكن في خطبة جمعة، أن تحصى جميع ضوابط التظاهر والاعتصام، ولكن هذه أبرزها وأهمها:

أولاً: الإخلاص لله تعالى في ذلك، أن يريد بعمله ذلك عندما يحتاج إليه ،نحن لا ندعو الناس لذلك ولكن الناس قرروا ذلك؛ وبما أنهم قرروا وسوف يمارسونه فبجب أن يريدوا وجه الله قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه)،وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ) رواه الإمام مسلم.

فلابد لكل من يمارس عملاً من تلك الأعمال أن يكون مخلصاً لله غير مراء، غير ناظر إلى تحقيق شيء آخر وهو يزعم أنه يريد الإصلاح.

ثانياً: التجرد من الهوى والعصبية،فلا يجوز للمسلم أن يقوم بذلك لهوىً في نفسه ببغض فلان أو حب فلان، أو لتحقيق مطامع شخصية أو حزبية، أو أن يكون عمله ذلك قائماً على العصبية الجاهلية من أجل نسب أو حزبية أو مناطقية أو للانتقام ونحو ذلك، بل يكون الهدف من ذلك المصلحة العليا للبلاد والعباد؛ حتى لا يكون ممن قال الله تعالى فيهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}.

ثالثاً: صحة الهدف وسمو المطلب ويكون حقاً لا باطلاً، بمعنى أن يتأكد من السبب الذي يجعله يقدم على ما يقدم عليه إن كان أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر، وفي المظاهرات والاعتصامات يجب أن يتأكد أن المطلب الذي يطالب به حقاً وعدلاً، وأن الشيء الذي يرفضه ويطالب بإلغائه وإزالته باطلاً وظلماً، أما أن يطالب بباطل أو يرفض حقاً أو يقلد غيره في أمر لا يعرف حقيقته فلا يجوز، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }.

ومهما كان الطرف الذي تخاصمه وتنازعه ظالماً أو سيئاً، بل حتى لو كان كافراً يصد عن الحق فلابد من العدل معه، قال تعالى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ).

رابعاً:الصبر والتحمل في سبيل الهدف العظيم الذي تسعى لتحقيقه، والأجر العظيم الذي ترجوه في الآخرة، قال الله تعالى لنبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم وهو سيد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والساعين في التغيير: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ) فبيَّن أن الصبر على مواجهة من يراد تغيير حالهم إلى الأحسن والأفضل لا يكون سهلاً بل شاقاً يحتاج إلى صبر، وأن أولي العزم من الرسل وقد سعوا لتحقيق أعظم الأهداف وأشرفها أوذوا في سبيل ذلك فصبروا، وأمر رسوله أن يسلك سبيلهم في الصبر، فكل من يسعى للتغيير نحو الأفضل والأحسن وإزالة المنكرات والسوء لابد له من الصبر، وقد ربى لقمان ابنه على ذلك فقال: ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) فمن خرج آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر فأوذي فتحول إلى منتقم لنفسه فهو في الحقيقة ما كان صادقاً في مسعاه ولا في هدفه.

خامساً: أن لا يترتب على سعيه لإزالة المنكر منكراً أعظم منه، فلا يجوز أن نسعى لإزالة ظلم يسير على إنسان أو مجموعة أناس فنقع أو نجلب ظلماً أعظم من ذلك، ولا يجوز أن نسعى لإنصافٍ من ضرر أو إخراج سجين ثم يترتب على فعلنا القتل من القتل من أي طرف كان فالجميع مسلمون.

والرسول صلى الله عليه وسلم: قد ترك هدم الكعبة ولم تكن مبنية على قواعد إبراهيم- ترك ذلك لحداثة عهد بعض الناس بالجاهلية فيعظم ذلك في قلوبهم، ويترتب عليه منكر أكبر. فلا نسعى لتحقيق حق أو إبطال باطل ثم الذي يكون الذي يأتي أعظم ظلماً وجوراً وفساداً مما نسعى لإزالته.

سادساً: أن يتحلى من يمارس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بجميع أنواعه - ومنها المظاهرات والاعتصامات – بالأدب، فلا يجوز أن يصدر عنه مخالفة قولية كالسب والشتم والقذف واللعن ومن باب أولى التطاول على الذات الإلهية أوالدين أو المقدسات ونحو ذلك، وكذا لا يجوز الكذب والمزايدات الكاذبة والتهم غير الصحيحة، كل ذلك حرام ولا يجوز، كما لا يجوز أن يصدر عنه مخالفة فعلية: كالإفساد، وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة، وترويع الآمنين، وسد الطرق ,وأذية المارة وأصحاب المحلات. هؤلاء لا ذنب لهم وليسوا خصومك، فما ذنب هؤلاء الذين يمرون في الطريق؟! ما ذنب هؤلاء الذين يفتحون محلاتهم لكسب لقمة العيش؟! ما ذنبهم أن تكسر محلاتهم وتنهب، أن يُجبروا على الإغلاق وعدم كسب رزقهم، كل ذلك لا يجوز.

سابعاً: يجب أن يعرف المتظاهر والمعتصم مع من يسير ولصالح من يعمل، ومن الذي سيجني الثمرة، فإن كانت الأمة وقادتها المخلصون فنعم، وإن كان غير ذلك فلا يجوز له أن نسعى لتحقيق أهداف المنحرفين والمتربصين بالأمة.

 

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمد والثناء والوصية.

عباد الله:

تحدثنا عن الضوابط التي يجب أن يتحلى بها من اختار أن يسير مع الناس للتعبير عن رأيه، مع تأكيدنا أن الأصل هو الحوار والقعود على طاولة المفاوضات والشورى لما فيه صلاح العباد والبلاد، ولكن من أصر على ذلك ورأى أنه لا يتحقق مطلبه إلا بذلك الطريق؛ فإنه يجب أن يلتزم بتلك الضوابط.

والآن أتوجه إلى أجهزة الدولة المختلفة وأجهزة الأمن بشكل خاص فأقول:

 

أولاً: اعلموا أنكم مستأجرون عند الأمة، ويصرف وتعطى رواتبكم من مال الأمة؛ للحفاظ على مصالحها ودفع الشرور والأضرار عنها،يقول رسول الله صلى الله علية وسلم (اللهم من وليَ من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم اللهم ارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم اللهم اشقق عليه ).

وهذا الدعاء يتناول جميع الولايات وجميع الولاة من الرئيس إلى أصغر موظف عسكرياً أو مدنياً، فإياكم أن تصيبكم دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثانياً : أذكركم وأكرر تذكيري بحرمة الدماء والأموال والأعراض: ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه )، ولا يعفيك أو يعذرك إذا ارتكبت شيئاً من ذلك بأنك مأمور، العسكري الصغير يفعل ظلماً يقتل مسلماً أو يسبه أو يضربه أو يعتقله وهو يعلم أنه ظلم لا يجوز له ذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ).

ثالثاً : اعلموا أن كل إنسان له كرامة وله عزة نفس، لا يسمح لأحد أن يتعرض له فيها، ومن تعرض له فسوف ينتقم منه بأقسى ما يقدر عليه، هذه طبيعة البشر ولذلك يقول الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ).

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه )، فإياكم واستفزاز مشاعر الناس بأي كلام أو حركات حتى لو لم تكن موجهة مباشرة إليهم، فالاستفزاز هو الذي يثير الفتن، الحروب، ويثير الكوارث، فإياكم أن يصدر عنكم ما يستفز مشاعر الناس وإياكم من أخذ البريء بجرم المذنب،إياكم من أذية أهل البيوت من النساء والأطفال والعجزة والمرضى، الذين ابتلاهم الله فجعلهم بجوانب الشوارع والميادين التي تحصل فيها هذه الأعمال، إياكم أن تؤذوهم بمسيلات الدموع، إياكم أن تؤذوهم بطلقات الرصاص فصوت الرصاص مفزع ومقلق،إياكم أن يدعوا عليكم فتصيبكم دعواتهم، إياكم وأكررها إياكم من اختيار الطريق السهل،فإذا حصل تخريب من قوم يهربون من الأمن، فلا يأتي الأمن ليمسك المارين في الشوارع، يمسك الإنسان الغافل الذي لا يعرف ما الذي جرى، يمسكه ويضربه ويُهينه ويسحبه إلى المخفر ويحقق معه، هذا حصل لأقوام حصل لأناس كثيرين، هذا لا يجوز حرام جريمة، خططوا مثل الناس قوموا بعملكم على الوجه الصحيح،فرقوا بين من يستحق ومن لا يستحق إن كان هناك من يستحق.

رابعاً : من لم يردعه القرآن فليعلم أن السلطان كذلك قد أمر بما أمر به القرآن، من المنع التام من التعرض للمتظاهرين بأي نوع من الاعتداء، فلا تكن أيها الجندي أيه الضابط أيها العريف أيها الرقيب ملكياً أكثر من الملك، فالرئيس منع أن نتعرض للمتظاهرين؛ فلماذا تخالف أمره وهو المعني بالدرجة الأولى، فإذا أمرك من هو أرفع منك بشيء من ذلك، فقل له: إن الله تعالى قد نهى عن ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ذلك، والرئيس قد نهى عن ذلك، فلماذا تأمرني بذلك؟! ولا طاعة لأحد في مخالفة ذلك كله.

ومن أخل بشيء أو تعدى ما يجوز له، فالذي يعاقبه هو القضاء، وقد صدر أمر بهذا: أنّ من يتعرض للناس مَن يعاقبهم ويؤذيهم فسوف يُعاقب أمام القضاء. أنت الجندي تقول أنا معذور، فبكره إذا فرَّ الضابط الكبير – وأسأل الله أن يحفظ بلادنا من الشرور والفتن- وأمسك بك الشعب وقدموك للمحاكمة لا ينفعك أحد، اعتبروا بالذين يُحاكمون في تونس، اعتبروا بالذين يُحاكمون في مصر، اعتبروا بالذين يُحاكمون في كل مكان، فلا تقل اليوم البدلة والنجوم تحميني، قد يأتي يوم لا بدلة ولا نجوم،فاتق الله في نفسك، فلا يجوز لك أن تتعامل بالقوة مع أحد من هؤلاء الناس المشاركين سلمياً والمنضبطين في طريقتهم، وعندما يحصل اعتداء فليكن ردعه بالطرق المشروعة، وليس بأي طريق يهواه هذا الإنسان.

أخيراً أنادي الجميع، إلى كافة الأطراف وسائر العقلاء وأولي الحل والعقد في البلاد: هناك مصلحة عليا هي أن نخرج باليمن من الفقر إلى الغنى، من الخوف إلى الأمن، من الذلة إلى العزة، من الأزمة والضيق إلى الانفراج والسعة، إلى أن يعيش حياة جديدة كما يحبها الله تعالى، وكما يحبها الأشراف والأحرار والأخيار، كما يليق بنا، وكما يليق بتاريخنا ومكانتنا بين الشعوب، هذه هو الهدف الأعلى والأسمى، فليفهمه وليضح من أجله السلطة والمعارضة والشارع وكل الأطراف، فإذا كان هدفنا هو هذا، فإن الصراع والاقتتال لا يوصلنا إلا إلى عكسه، فكل عليه أن يسعى إلى تحقيق هذا الهدف ويجعله نصب عينيه، ويتنازل من أجله عن حظوظه النفسية ومصالحه الشخصية، ويغض الطرف عن بعض تجاوزات الطرف الآخر؛لأننا في مثل هذا الحال لن نصل إلا بأن نلتقي على منتصف الطريق، أما إذا أصر كلٌ على هواه وما يريد وما تمليه عليه نزواته أو يمليه عليه سواه ممن لا يريد بنا الخير؛فإننا سنصل إلى الكارثة ، أسأل الله أن يجنبنا ويجنب بلادنا الكوارث والمحن والفتن ما ظهر منها وما بطن.

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع الشيخ أحمد المعلم