الخطب والمحاضرات

أما كفاكم يا دعاة الخرافة ؟!

2010-03-22



بسم الله الرحمن الرحيم

أما كفاكم يا دعاة الخرافة ؟!

14/6/1420هـ

مسجد خالد بن الوليد

 

الحمد والثناء،الوصية بالتقوى:

عباد الله:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنت)[1] حديث صحيح رواه أبو داود وغيره. قال المناوي: (معناه النهي عن الاجتماع عن زيارته اجتماعهم للعيد إما لدفع المشقة، أو كراهة أن يتجاوزوا حد التعظيم...الخ ). وقال بعد ذلك : ( ويؤخذ منه أن اجتماع العامة في بعض أضرحة الأولياء في يوم أو شهر مخصص من السنة، ويقولون هذا يوم مولد الشيخ ويأكلون ويشربون، وربما يرقصون فيه منهي عنه شرعاً، وعلى ولي الشرع ردعهم على ذلك وإنكاره عليهم وإبطاله )[2].

وقد أفتت دار الفتوى المصرية سنة 1361هـ بـأنّ عمل الموالد على النحو الذي يجري عليه الآن ليس من القُرَب؛ لأنه لم يفعله السلف الصالح، ولاشتماله على كثير من المخالفات الشرعية، وأن الوقوف على عملها لا يلزم، ويصرف المال الموقوف على ذلك للفقراء والمساكين.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (ووجه الدلالة: أنّ قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل قبر على وجه الأرض، وقد نهى عن اتخاذه عيداً، فقبر غيره أولى بالنهي كائناً من كان، ثم إنه قرن ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تتخذوا بيوتكم قبوراً )، أي لا تعطلوها عن الصلاة فيها والدعاء والقراءة؛ فتكون بمنزلة القبور، فأمر بتحري العبادة في البيوت، ونهى عن تحريها عند القبور، عكس ما يفعله المشركون من النصارى ومن تشبه بهم )[3].

 

عباد الله:

هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم صريح صحيح ينهى أن يتخذ قبره عيداً، أي أن تكون زيارته في يوم مخصوص من شهر أو سنة، وإذا كان هذا شأن قبره عليه الصلاة والسلام فمن باب أولى قبور غيره من الناس.

وهذا كلام العلماء صريح واضح؛ أن ما يفعله بعض الناس عند بعض الأضرحة من اجتماع في يوم أو شهر مخصوص منهيٌ عنه، وأن على ولاة الأمر أن يردعوهم من ذلك وينكروه عليهم، وهذا التاريخ علينا أن نقرأه.

فمتى هو اليوم المخصص لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟! ومتى أيام زيارة الخلفاء والصحابة وأفاضل العلماء والعبّاد عند أهل السنة في القرون المفضلة ؟!

إننا لا نعلم من ذلك شيئاً أبداً، وما أحدث أهلُ السنة شيئاً منه مطلقاً، وإنما أُحدث ذلك عند قبر علي بن أبي طالب رضي لله عنه، وقبر الحسين رضي لله عنه، وقبور أبنائهم رضوان الله تعالى عليهم جميعاً؛ أَحدث لهم الأعيادَ والمواسم والزيارة المحددة بأيام مخصوصة الرافضةُ الأشقياء أعداء السنة وأهلها، فهل وصلت الرافضة إلى بلادنا؟! هل نرضى أن نحوِّلَ المكلا إلى النجف وكربلاء؟!

ألسنا نقرأ جميعاً قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ؟! أليس هذا مخالفة صريحة لأمره صلى الله عليه وسلم ؟!

أما يخشى الداعون لتلك الأعياد أو ما يسمى بـ(الحول) أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم؟!

أما سمع هؤلاء قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:115].

إنّ ما أعلن من إقامة زيارة سنوية لقبر العلامة عبدالله الحداد - رحمه الله- في هذا اليوم هو عين المشاقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ نهى أن يُتخذ قبره عيداً، وقد فهم العلماء أنّ ذلك يدل من باب أولى على النهي عن اتخاذ قبر غيره من الناس أعياداً، ولقد تبين الهدى، وعُلم من هديه صلى الله عليه وسلم وسنته المستحب في زيارة القبور، وليس منها مطلقاً أن يُخَصَّصَ لزيارتها يوم معين من السنة أو من الشهر.

إنّ هذا العمل اتباعٌ لغير سبيل المؤمنين، اتباع لليهود والنصارى الذين قال عنهم رسول الله r: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)[4] رواه البخاري ومسلم، وقال: ( ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك)[5] رواه مسلم. فالقوم قد دفنوا الرجل في القبة بدون إذنه، واليوم يعملون له الحول، ولا شك أنه لن يرضى بذلك، كيف ومن لوازم الحول دعاء الميت والاستغاثة به، والرجل قد أفتى بأن الاستغاثة بغير الله شرك.

ألا يتقي الله الدعاة إلى هذه البدعة الشنيعة؟! أما يخشون أن يدخلوا في قوله صلى الله عليه وسلم: (ومن دعا إلى ضلالة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)[6]؟! ألم يعتبروا بما حدث في الزيارات المماثلة من المنكرات الشنيعة والبدع الفضيعة والشرك بالله سبحانه وتعالى؟!

عباد الله:

إنّ الدعاة إلى البدع والقبورية لا تنفعهم نصيحة، ولا تجدي فيهم موعظة؛ لأن لهم أهدافاً في تحقيقها ولو على حساب الدين.

ولكن يا عباد الله: ما موقفكم أنتم ممن يجركم إلى الهاوية، ويدعوكم إلى الهلكة، ويريد أن يخرجكم من النور إلى الظلمات؟ هل من الحكمة والعقل أن تسلموا لهم القياد، وأن تتابعوهم على ما فيه ضرركم وما يكون سبباً للضلال والخسران؟!.

عباد الله:

إياكم وتلبيس الملبسين وشبه المبطلين، إياكم أن يقرأ عليكم هؤلاء أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في استحباب الزيارة الشرعية التي تذكر الموت، وأحاديث استحباب السلام والدعاء للميت، وأما هؤلاء فقد صرّح علماؤهم أن المقصود من زيارة المشاهد عندهم شيء آخر، قال العيدروس في بذل المجهود: (فإن المقصود من الزيارة الاستمداد من أرواح الأنبياء والأئمة والعبارة عن هذه الإمداد الشفاعة، وهذا يحصل من وجهين؛ الإستمداد من هذا الجانب والإمداد من الجانب الآخر، ولزيارة المشاهد أثر عظيم في هذين الركنين )، كما صرح عبداللاه بن حسين بلفقيه بأن زيارة القبور عند الصوفية تخالف زيارة الفقهاء، وهذا هو المشاهد الملموس، أليسوا يدعونهم من دون الله؟! أليسوا يقولون عند زيارتهم:

يا ولي الله جئنا إليك وطرحنا الذنب بين يديك

هل هذه الزيارة التي حثنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! كلا والله.

واسمعوا إلى ما يقوله الفخر الرازي في تفسيره وهو يتكلم عن عبادة الأصنام من المشركين قال: (وضعوا هذه الأصنام والأوثان على صور أنبيائهم وأكابرهم، وزعموا أنهم متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل فإن أولئك الأكابر تكون شفعاء لهم عند الله تعالى ). قال: (ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر على اعتقادهم أنهم إذا عظموا قبورهم فإنهم يكونون لهم شفعاء عند الله)[7].

إذن هذه الزيارات التي يروّج لها ويعمل على إحيائها بعض الناس. فاتقوا الله أيها الناس، واحرصوا على دينكم، ولازموا كتاب ربكم وسنة نبيكم ومن يدعوكم إلى ذلك، يقول الرسول r: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي)[8].

وإياكم ومتابعة أهل الأهواء وأهل البدع؛ فإن متابعتهم توصل إلى الضلال والعياذ بالله قال r: (وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين)[9].

وقال سبحانه وتعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28].

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على كل حال، ونعوذ بالله من أحوال أهل الضلال، الحمد لله الذي عصم من تمسك بكتابه وسنة رسوله من الضلال، وجعل عاقبة المنحرفين عن هديه الفتنة والوبال.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تقدّس عن الأنداد والأمثال، وتنـزّه عن الأضداد والأشكال.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي رفع الله به عن أمته الآصار والأغلال، وحط به عنها الأوزار والأثقال، صلى الله عليه وسلم صلاة وسلاماً دائمين بلا اختلال، متصِلَين بلا زوال، وعلى آله خير آل، وصحابته ذوي البر والأفضال، ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم المآل.

عباد الله:

أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، والحفاظ على هذا الدين وحمايته من البدع والضلال.

أيها الأخوة المؤمنون:

لقد وصف الله الذين يستحقون النصر من عباده بقوله: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج:41].

فأولى أولويات القائمين على أمر المسلمين أن ينهوا على المنكر، وأن يأمروا بالمعروف، وما يحدث اليوم من إحداث زيارة جديدة مخالفة للشرع هو منكر من المنكرات، فعلامَ يسكت هؤلاء عن إنكاره؟! بل لماذا يروِّجون له في وسائل الإعلام التي هي ملكٌ للأمة كلها ؟! أليس هذا انحيازاً واضحاً لصفوف المتصوفة القبوريين؟! أليس هذا جرحاً لمشاعر ملايين من أهل السنة في هذه البلاد؟!

قُلْ لي بربك لو قام طالبُ علم محتسب فطمس قبراً مشرفاً تنفيذاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، أما كانت الدنيا عند هؤلاء تقوم ولا تقعد، ويصيحون عليه بأنه مثيرٌ للفتنة، ومستفز لمشاعر العامة، هل تطبيقُ السنة هو المثير للفتنة، ونشر البدعة والدعوة إليها وإقامة شعاراتها لا يُثير الناس، ولا يجرح مشاعرهم، ولا يتسبب في الفتنة.

إنّ على ولاة الأمر وذي المسؤولية في هذه البلاد أن يتقوا الله، ويتعاملوا بما يرضيه، ثم بما يحقق العدلَ بين الناس جميعاً: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة:8].

 

 


[1] - رواه أبو داود وصححه الألباني في (أبي داود ج2ص218، رقم 2042).

[2] - فيض القدير (ج4ص199).

[3] - اقتضاء الصراط المستقيم (ج1ص323).

[4] - رواه البخاري (1265) ومسلم (529).

[5] - رواه مسلم (532).

[6] - رواه مسلم في صحيحه بلفظ: (وَمَنْ سَنَّ في الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كان عليه وِزْرُهَا وَوِزْرُ من عَمِلَ بها من بَعْدِهِ من غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ من أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ ) (1017) وأما لفظ ( وَمَنْ دَعَا إلى ضَلَالَةٍ كان عليه من الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ من تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذلك من آثَامِهِمْ شيئاً ) فرواه مسلم أيضاً في صحيحه ( 2674).

[7] - التفسير الكبير (ج17 ص49).

[8] - أخرجه الحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع (2937).

[9] - رواه أبو داود وصححه الألباني في أبي داود (ج4ص97 رقم4252).

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع الشيخ أحمد المعلم