الخطب والمحاضرات

إطلالة على بيان العلماء

2012-02-20



 بسم الله الرحمن الرحيم

إطلالة على بيان العلماء

للشيخ أحمد بن حسن بن سودان المعلم

حفظه الله

الحمد لله الذي رفع أهل العلم درجات، وحمَّلهم دلائل المسئوليات، وكلفهم بالبيان، وحذرهم من الكتمان، وجعلهم حكاماً على الحكام، ومرجعاً لسائر الأنام، بصلاحهم تصلح البرية، وبفسادهم تحل البلية وتنطوي السبل السوية، الصلاة والسلام على سيد العلماء، وإمام الهداة النبلاء، سيدنا محمد وعلى آله الصادعين بالحق المجاهدين في سبيله، وصحابته القائلين الحداة على سبيل الحق ودليله، اليوم نضربكم على تأويله، كما ضربناكم على تنزيله، ضرباً يزيل الهام عن مقيله، ويلهي الخليل عن خليله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كبيراً.

أيها الأخوة المؤمنون:

يجل الله العلماء ويرفع درجتهم ويعلي مكانتهم ويجعلهم سادة الناس وقادتهم، إنما يكونون على مستوى المكانة التي جعلهم الله فيها، والتي يلخصها الله في قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (الأحزاب:39)، حينئذٍ يرفع الله U شأنهم ويعلي مكانهم: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ (المجادلة:11) ويستنكر أن يستووا هم والذين لا يعلمون فيقول جل ذكره:﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ ﴾(الزمر:9)، أما حين يتخلون عن مسؤوليتهم ولا يقومون بوظيفتهم، ويداهنون بشرع الله ويشترون بآيات الله ثمناً قليلاً فإنه سبحانه يُنزل قدرهم ويحط أمرهم ويمثلهم بأحقر مخلوقاته، كما قال تعالى:﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (الأعراف:176،175) .

ولا تزال تلك الطائفتين من العلماء موجودتين إلى قيام الساعة، غير أن الطائفة القائمة بأمر الله المنصورة بإذنه هي الأشهر والأظهر، ولقد أخبر النبي r بوجودها واستمرارها حتى يأتي أمر الله، وفي اليمن طائفة من العلماء نحسبهم من تلك الطائفة المنصورة القائمة على الحق بإذن الله، وقد قاموا بجهود مشكورة قبل اندلاع الثورة الحالية وأدناها، وقدموا مبادرات، واقترحوا حلول لو أخذت بها الأطراف المتنازعة لأدت إلى أفضل مما أدت إليه المبادرة الخليجية مع توفيرها للجهد والوقت والدم والمال والسمعة التي ذهبت جراء ما جرى على البلاد والعباد في الفترة الماضية، وكانت آخر تلك الأعمال البيان المفصل الذي أصدره العلماء ووقع عليه أكثر من مائة منهم، وأعلنوه ووزعوه علي مؤتمر صحفي على وكالات الأنباء والفضائيات وسائر وسائل الإعلام في العاصمة صنعاء، وقد تضمن نقاطاً مهمة لو أخذ بها الطرفان المختلفان أو الأطراف المختلفة لوصلوا بالبلد إلى قمة سعادتها وأمنها ومجدها وعزتها، وهيا بنا نطل على أهم تلك النقاط التي تعرض لها ذلك البيان متضمناً أهم ما ينبغي التنويه عليه والتأكيد عليه وشرحه للناس إذ لو شرح كله ما اتسع الوقت لذلك:

أهم النقاط التي تضمنها بيان العلماء:

1- أكد العلماء على أن الحكم لله، وأن شرعه فوق كل شيء، نعم وهذا أمر بدهي في بلاد إسلامية فالله تعالى يقول:﴿ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ (الأعراف:54) ، ويقول تعالى : ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ (يوسف:40)، ويقول عز وجل : ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾(المائدة:50)، هذا هو الأمر الطبيعي والأمر الشرعي الذي جاء به القرآن، ومن فضل الله على اليمن أنها مازالت تُحكَم بشرع الله منذ أن جاء الإسلام إلى يومنا، فيما عدا فتراتٍ خرجت عن الخط قليلاً وانهارت بسبب خروجها من المحن والضعف والذل والهوان والخوف والفقر وما الله عليم.

وأن يطالب العلماء بتحكيم شرع الله الذي هو أساس كل صلاح، والابتعاد والانحراف عنه أساس كل ضلالٍ وفساد، ولا أظن أن عاقلاً يرد ذلك أو يعترض عليه، وإن كان هناك في الساحات وفي وسائل الإعلام، وهناك في بعض الأحزاب السياسية من يجادل في ذلك، ومن ينادي بالدولة المدنية أي الدولة العلمانية اللادينية التي يكون الحكم فيها للشعب دون مرجعية شرعية، وكيف يمكن ذلك ونحن في بلد إسلامية، والله U يقول: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾(المائدة:47)، ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (المائدة:45) ، ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (المائدة:44) ، بعد هذا يبين العلماء أن الشعب هو صاحب السلطة ويفسر بعض الناس بما يريد، فإذا قيل أن الشعب مصدر السلطة يظنونها الديمقراطية الغربية التي تجعل الشعب هو الذي يسن ما شاء ويلغي ما شاء ويحكم كما يشاء، لا ليس الأمر كذلك، ولكن عندما نقول الشعب صاحب السلطة أي هو الذي يختار ولاة أمره هو الذي يختار حكامه عبر البيعة، عبر الانتخاب والشورى ، وعبر أولي الحل و العقد، وسائل مختلفة تؤدي إلى أن يكون الشعب هو الذي يخرج ويفرز من أوساطه هؤلاء الذين يحكمونه، كما يتخيل ويظن فيهم من المصلحة له ولمستقبله ولأجياله اللاحقة، وهذا قد أمر الله I به لقوله سبحانه : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا (النساء:58) ، وهذا أمر عام يدخل فيه أول ما يدخل أن يؤدي أمانة الحكم و التشريع، وأمانة التنزيل والسلطة والمسئولية إلى من هو أهل لها، وأيضًا بالعكس حينما ينصرف الناس عن تولية الأكفاء الأمناء الأتقياء المخلصين نكون بذلك أضعنا الأمانة، سأل سائل رسول الله r: متى الساعة؟ فقال r:« إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة » ، قال: وما إضاعتها ؟ ، قال:« أن يوسد الأمر إلى غير أهله » ([1]).

فالآية والحديث يدلان على أن من أهم الأمانات التي ينبغي أن تُؤدى إلى أهلها أن تؤدى أمانة الحكم في أمة الإسلام إلى من يرتضيه الشعب ويكون وفق الشروط المقررة لمن يتولى حكم المسلمين .

2- ونوهوا على أن هذا الحاكم الذي يختاره شعبه يجب أن يعدل ، يجب أن يشاور ، يجب ألا يحوز الأمور ويجعلها بيديه بل يجعل الأمر شورى بين المسلمين .

3- كما دعوا إلى استقلال القضاء وحددوا مرجعية قوانين هذا القضاء ، أما استقلالية القضاء فأمر واضح ، كيف لا ، كيف يمكن للقاضي أن يكون عدلًا وأن يحكم بالحق وهو في يد الحاكم يوجهه بالتليفون أحكم بكذا ، أرفض كذا ، افعل كذا ، اترك كذا لا يمكن ، ولذلك فالقضاة في الإسلام ليس عليهم سلطة إلا لله U وإلا لما حكم به كتاب الله وسنة رسوله r ، أما مرجعية الحكم فهو شرع الله U وقد ذكرنا شيئًا من ذلك ، وأيضًا يحذرنا الله من التنصل أو التلكع أو التأخر عن الرضا بحكم الله فيقول I:﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ (الأحزاب:36) ، ويقول:﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا ﴾(النساء:60) .

4- أكد أيضًا العلماء على وجوب إنصاف المظلومين وفي مقدمتهم أبناء المحافظات الجنوبية ، وأن يوصفوا وتحل قضيتهم ، ويُعطى لهم حقوقهم كاملة غير منقوصة.

5- دعوا إلى ترشيد الخطاب الإعلامي والارتقاء بالمستوى الإعلامي عن التفاهات التي ترونها في كثير من القنوات ووسائل الإعلام الرسمية وغير رسمية، وكذلك الإسفاف في الخطاب وتراشق التهم والمكايدات والكذب ، بل يجب أن يكون هناك مصداقية، لا يقول الإنسان إلا ما هو حق ومطابق للواقع لا يقول إلا ما فيه حق وإصلاح، ويدع ما فيه إفساد: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزغُ بَيْنَهُمْ ﴾(الإسراء:53) هكذا يقول الله U .

6- دعوا إلى اعتماد مبدأ الكفاءة والأمانة فيمن يتولى الوظيفة العامة، نعم وهذا أمر مهم كانت الوظائف توزع إما بالمحسوبيات، أو بالعصبيات الحزبية، فالحزب الحاكم يضع من يختارهم ومن يريدهم ولو كانوا أسوأ خلق الله ولو كانوا أشرس خلق الله، ولو كانوا أظلم خلق الله، المهم يدينون بالولاء له، هذا موجود، والقائمون على التوظيف يوظفون من يدفع ولو كان لا ينفع.

وهكذا فالآن يدعوا العلماء إلى أن ينتهي هذا المنهج وهذا الخطاب، وأن يكون الناس كلهم متفقون على أن يتولى أمرنا وسائر وظائف الدولة من أهل الصدق والأمانة والإخلاص والعدل والنزاهة، قال الله - تبارك وتعالى - حاكيًا عن تلك المرأة الصالحة أنها تقول لأبيها: ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ﴾(القصص:26) ، قوي لا يحابي ولا يخاف ولا ينفذ توصية أو توجيه ممن هو أعلى منه إذا كان مخالفًا للحق ومخالفًا للنظام والقانون الذي التزم به الجميع، وأمين على وفده، أمين على أسرار من معه، أمين على الأموال التي في يديه وفي إطار مسئوليته، وأيضًا يوسف – عليه السلام - عندما رشح نفسه لئن يتولى وزارة المالية بمصر قال:﴿ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾(يوسف:55)، هذه هي الأمانة في الجانب المالي حفيظ وأمين، وفي جانب الوظائف الأخرى قوي أمين فالأمانة في كل الأحوال.

7- كذلك أوصوا بالحفاظ على ثروة البلاد والتزام الشفافية وترتيب أوجه الصرف؛ لأن الذي يخاف أنه يصرف في الأمور المحرمة وفيما لا يجوز الصرف فيه، هناك الشيء الكثير يصرف في التوافه وفي الترفيهيات وفي أمور لا تسمن ولا تغني من جوع مع وجود الفقراء الذين يتسولون على أبواب المساجد، أو يمدون أيديهم إلى صناديق القمامة أو إلى غير ذلك من أوجه الحاجة والفقر هذا لا يجوز.

يقول الإمام عمر بن عبد العزيز- رحمه الله -: (لأَن أطعم بطون الجوعى خير لي من كساء الكعبة ) تصوروا كساء الكعبة، كم فضله؟! ، وكم أجره؟ ، وكم رمزيته؟ لكن هذا الخليفة الراشد يقول: لا، إطعام الجوعى من المسلمين الذين تحت ولايتي أهم وأولى من أن أكسوا الكعبة.

أليس أهم وأولى من هذه النفقات التي أكثرها إفساد وشر وأكثرها لا خير فيها للبلاد ولا للعباد، إنما لجيوب الفاسدين أو لشراء ذمم الناس ، فالعلماء ينكرون ذلك كله ويوصون وسيتابعون ذلك، ليس مجرد وصية ويسكتون، ولكن هناك برنامج لمتابعة نائب الرئيس ورئيس الوزراء والوزراء المعنيين والأحزاب المشاركة في الحكم وغيرها من أجل أن يتوافق الجميع على هذا القدر، أسأل الله أن يرزقنا ويرزقكم ويرزق العلماء الإخلاص والصدق والإقدام وقول كلمة الحق في كل حال، نسأله I ذلك، أقول قولي هذا وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأفضل الصلاة وأزكى التسليم على سيد الأولين والآخرين، وقائد الغر المحجلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله.

أيها الأخوة الكرام:

ويواصل العلماء نصحهم وتوجيههم بل وأمرهم لأنهم أصحاب أمر:

إن الأكابر يحكمون على الورى

وعلى الأكابر يحكم العلماء

 

 

 

 

فيقولون أو يدعون إلى الالتزام بحقوق الإنسان هذا المبدأ الذي يتفق عليه الجن والإنس والمسلمون والكفار ولا أحد يخالف فيه، لكن أي حقوق إنسان هذه، إنها حقوق الإنسان بالنسخة الإسلامية، فهناك إعلان لحقوق الإنسان سنتعرض له فيما بعد لكن قبل ذلك نقول: إن الإسلام هو أول الشرائع الذي بين بوضوح كرامة الإنسان وزجر عن إمتهانها قال الله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (الإسراء:70) . بني آدم لم يقل كرَّمنا المؤمنين في هذه الآية ولكنه تكريم عام شامل لجميع بني آدم لمسلمهم وكافرهم، وصالحهم وفاسدهم كلهم مكرمون، هذا التكريم هو الأصل ما لم يرتكب الإنسان ويفعل ما يوجب عليه شيئًا من العقوبة أو التحذير أو الحد الذي يسعى إليه بنفسه وإرادته، هذا هو زجر الإنسان في الإسلام ويقول اللهU : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (الحجرات:13) .

فليس هناك طبقات ولا تفاوت لا بسبب المال ولا السلطان ولا النسب ولا الحسب، ولا بغير ذلك مما يتفاضل به كثير من الناس، لكن التفاضل في الإسلام إنما هو بالتقوى، والتقوى صلاح في الدنيا والآخرة، من كان تقيًا نافعًا في دينه ودنياه ولدين الناس ودنياهم هو الذي يُكرَّم أكثر من غيره.

وقد ذم الله U فرعون بأمور، لكن مما ذمه بها بشكل مكرر في القرآن انتهاكه لحقوق الإنسان قال الله U:﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾(القصص:4)، وبسبب ذلك أنهى ملكه وأغرقه في البحر كما تعلمون، وامتن على بني إسرائيل أن أنجاهم من تلك الحال وحدد لهم الحرية فقال عز وجل:﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾(إبراهيم:6) وكرر ذلك رسول الله r حين قال:« ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى »([2]) ، وقال:« الناس كلهم لآدم وآدم من تراب » ([3])، هذا هو الوزن وهذه هي الميزة في الإسلام لا فضل، ولا تمايز ، ولا تكبر لأحدٍ على أحد، وقال r:« إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم: كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا ،في شهركم هذا » ([4]) إلى آخر ما جاءت من نصوص في الإسلام تحفظ حق الإنسان، بل لم يكتفِ بحفظ حق الإنسان بل بحفظ حقوق الحيوان حتى الحشرات، ليس مجرد الحيوان النافع ولكن حتى الحشرات حينما ذكر النبي :r« قال نَزَلَ نَبِيٌّ من الْأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ فَأَمَرَ بِجَهَازِهِ فَأُخْرِجَ من تَحْتِهَا ثُمَّ أَمَرَ بِبَيْتِهَا فَأُحْرِقَ بِالنَّارِ فَأَوْحَى الله إليه فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً » ([5]) أي حقوق في الإسلام أي حقوق يمكن أن نقارنها بما عند الناس.

وقد حرصت منظمة التعاون الإسلامية التي كانت تسمى منظمة المؤتمر الإسلامي على وضع وثيقة مهمة في هذا الجانب، أسمتها " الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان" نُوقشت في عشرة مؤتمرات وزراء خارجية الدول الإسلامية، مؤتمرات على مستوى القمة لحكام ورؤساء وملوك البلاد الإسلامية، وتداولتها سبعٌ وخمسون دولة من الدول الإسلامية، غير أنه للأسف الشديد: الجبن والخوف والخور والتبعية للأعداء جعلتهم يمسكون بحقوق الإنسان من الوجهة الكافرة الغربية، ويتركون ما اتفقوا عليه من حقوق الإنسان التي تنبع من دينهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم.

فالعلماء يقولون لنا: لا ، نحن نعم مع حقوق الإنسان ولكن وفق ما قرره شرع الله وكتاب الله وسنة رسوله r، وحقوق الإنسان الغربية لا تكتفي بقضية الأمور المعروفة ولكنها تبيح الزنا واللواط وسائر أنواع الشذوذ وأن يقول الإنسان أي شيء، وتعلمون حينما سُب الرسول r وأسيء إليه تلك الإساءات البالغة قالت الدول: هذا من حقوق الإنسان حق الحرية عن التعبير، نحن لا نملك أن نقول شيئاً ، حتى لا يقولون إلى هذه الدرجة أي حقوق هذه.

فنحن مع حقوق الإنسان ولكن وفق شرع الله، هكذا يقول علماء اليمن ، وإن شاء الله ربما هناك نقاط أخرى نتناولها في خطب أخرى .

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ، اللهم سدد من وليته أمرنا للحكم بكتابك، وسنة نبيك ، والإخلاص والتجرد عن الهوى والعصبية ، اللهم من كان منهم فاسدًا فاجرًا مجرمًا من قبل فإن رأيت فيه خيرًا للإسلام والمسلمين وفيه أهلية للإصلاح اللهم فأصلحه، ومن كان غير ذلك ولا خير فيه ولا يرجى صلاحه اللهم عجل بزواله وهلاكه وأبدلنا من فيه خير لنا ولبلادنا منهم يا رب العالمين.

اللهم أصلح أحوالنا ، اللهم يسر أمورنا ، اللهم عليك بالمعتدين من الحوثيين وغير الحوثيين ممن ينتهكون حقوق العباد والبلاد ويعتدون على المؤمنين الصالحين الصادقين المسالمين عليك، اللهم عليك بهم يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات.


[1] رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه حديث رقم (59) (1/33).

[2] رواه البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب رقم ( 2963).

[3] رواه الترمذي وأبوداود عن أبي هريرة رضي الله عنه وحسنه الألباني في تحقيقه لمشكاة المصابيح حديث رقم (1899).

[4] رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي بكرة رضي الله عنه حديث رقم ( 1679 ) ( 3/1305).

[5] رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه حديث رقم (3141) ( 3/ 1206).

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع الشيخ أحمد المعلم