أخبار الشيخ

نص بيان علماء اليمن بشأن التطورات الأخيرة

2011-12-01



الحمد لله رب العالمين الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة فقال سبحانه : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ

 

عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) المائدة آية (3 )، وقال تعالى : (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)النحل آية (89 )، وكلف رسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ببيان ما جاء في الكتاب فقال سبحانه : (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) النحل آية (44 )، فتركنا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بعد تبليغ الكتاب وبيان السنة له على الصراط المستقيم والدين القويم والشريعة الغراء فقال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : (قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ... ) رواه أحمد وابن ماجه و صححه الألباني . أما بعد :

 

فقد مرت اليمن بمرحلة خطيرة وعصيبة كادت أن تهلك الحرث والنسل ، وتهدد وحدة البلاد وأمنها واستقرارها ، وتقطع أوصال الأخوة فيما بين أبنائها، حاول علماء اليمن ومعهم مشايخ القبائل اليمنية وبعض القوى الفاعلة استدراك الأوضاع وتلافي الأحداث في وقت مبكر قبل استفحالها وحدوث القتل وسفك الدماء ، فتقدموا بمبادرة محلية تضمن انتقالا سلميا وسلسا للسلطة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة في نهاية عام 2011هـ ، كما اقترح العلماء في بيانات لهم سابقة إقامة حكومة وحدة وطنية مؤقتة بالتوافق ، تتوزع فيها الحقائب الوزارية السيادية بين الحزب الحاكم والمعارضة وتعمل هذه الحكومة على التهيئة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة وآمنة يعود فيها الحق إلى الشعب في اختيار حكامه ونوابه ، ولكن تلك المبادرة والاقتراحات لم يكتب لها النجاح بعد جهد وحركة دائبة بين الأطراف السياسية .

 

واليوم ونحن على أعتاب مرحلة وحقبة جديدة وفق الله فيها أهل اليمن للوصول إلى حل يضمن انتقالا للسلطة مع المحافظة على وحدة اليمن وأمنه واستقراره فإن علماء اليمن يؤكدون على الآتي :

 

أولا : الحكم لله وشرعه فوق كل شيء :

 

لقد أثيرت في خلال هذه الأحداث بعض القضايا حول الشرعية في مجتمعنا المسلم ولمن تكون ، فهناك من يقول بأنها حق للثائرين، وآخر يقول بأنها حق للمؤسسات الرسمية، وثالث يقول بأنها حق لفئة من الناس دون غيرهم، وهناك من يخلط بين شرعية التشريع تحليلا وتحريما التي لا تكون إلا لله، وبين شرعية اختيار الحاكم ومحاسبته والتي هي حق للشعب كلفه الله بها والمذكورة بعد هذا .

 

فالتشريع تحليلا وتحريما حق لله وحده، وهو عبادة من العبادات لا تجوز لغيره، قال تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا

 

تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) يوسف آية (40)، وذم الذين يُشَرِّعون أحكاماً لا تستند إلى شرع الله وجعلوا من أنفسهم أندادا لله، فقال سبحانه: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) الشورى آية (21)، وبيَّن المولى سبب تفرده بالحكم والتشريع وحده بأنه الذي خلق الخلق من العدم، فهو الملك صاحب الحق في أن يحكم في ملكه بما يشاء، قال تعالى: ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) الأعراف آية (54)، وبين الله جل وعلا أنه الأعلم بأسرار خلقه والأعلم بما يصلحهم وما يضرهم وما ينفعهم وأنه لا يوجد أحد يعلم عن مخلوقاته كما يعلم هو عنهم سبحانه، قال تعالى: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الملك آية (14) ، وقال : (قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ) البقرة آية (140) ، وقال تعالى : (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) الحجرات آية (16) ، وهو الحكيم سبحانه فكل أفعاله وأحكامه تقوم على الحكمة البالغة وتحقيق مصالح العباد ،( وشريعته سبحانه مبناها وأساسها على الحِكَم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها ، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل) إعلام الموقعين لابن القيم(2/305) ، ولذا قال تعالى : (فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) التين آية (7،8) ، فلا شرع فوق شرع الله ، ولا دين صحيح غير دين الإسلام قال تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) آل عمران آية (19)، وقال تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) آل عمران آية (85)، وكل مسلم يعرف هذا وكلنا مسلمون ، وقد أقسم الله تعالى على نفي الإيمان عمن لم يُسلّم بهذه المحكمات الشرعية، فقال تعالى : (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء آية (65).

 

وبناء على هذا فإن علماء اليمن يدعون كل من يتولى أمر اليمن من الرؤساء والحكومات والمجالس النيابية أن يجعل شرع الله فوق كل شيء ، ففيه الحقكله الذي يضمن للإنسان حقوقه وحريته وكرامته وسعادته في الدنيا والآخرة ، وأنه لا يجوز وضع أي دستور و سن قانون أو عقد أي اتفاقيةٍ تعارض شرع الله أو تنتقص منه .

 

ثانيا : الشعب صاحب الحق في اختيار حكامه ومحاسبتهم بموجب الشريعة الإسلامية :

 

لقد كلف الله سبحانه وتعالى الأمة وجعل لها السلطة والحق في اختيار حكامها كما في نظام البيعة وجعل لها حق مراقبة الحكام قياما بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال عثمان ـ رضي الله عنه ـ مؤكدا لهذا المبدأ: (إذا وجدتم في كتاب الله أن تضعوا رجلي في القيد فضعوا رجلي في القيد )رواه أحمد وصححه الأرناءوط في المسند، وبنحو هذا قال الخلفاء الراشدون، وضمن الله تعالى حق الشعب في مقاضاة حكامه إذا ظلموا أو انحرفوا أو وقع النزاع بينهم وبين الشعب كما قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا )النساء آية (59) ، كما أوجب على الأمة عزل حكامها إذا أظهروا كفراً بواحاً أو خانوا الأمانة الموكلة إليهم من حراسة الدين وسياسة الدنيا به أو ارتكبوا خيانة عظمى نصت عليها دساتيرهم الإسلامية ؛ لأن الحاكم وولي الأمر في الإسلام مقيدة سياساته وممارساته بما لا يعارض الشريعة قال تعالى : (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ * هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) الجاثية الآيات (18-20)، وأوجب الله تعالى على الحكام مشاورة الأمة وأهل الحل والعقد فيها قال تعالى : (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) آل عمران آية (159)؛ لأن الشورى أفضل الطرق لسداد الرأي في تقرير قضايا الأمة حاضراً ومستقبلاً ، وأحسن الوسائل للتعبير عن إرادتها وحريتها المشروعة ، ومن لا يشاور شعبه وأهل الحل والعقد فيه يجب عزله قال ابن عطية : "والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام ومن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب هذا ما لا خلاف فيه" المحرر الوجيز(1/565) .

 

ومما سبق يتبين أن السلطة للشعب فهو صاحب الحق في اختيار حكامه ونوابه ولا يحق لأي طائفة أو جماعة أو حزب أو فئة أن يسلب الشعب هذا الحق أو أن يصادره عليهم تحت أي اسم أو ذريعة .

 

ثالثا : تحقيق استقلال القضاء:

 

يدعو العلماء إلى وجوب قيام المسئولين في الدولة، بدعم القضاء للقيام بمسئولياته الكبرى في إقامة العدل ورفع الخصومات وإيصال الحقوق إلى أهلها، ولا يتم ذلك إلا بقضاء شرعي تتوفر فيه عدد من الشروط المعتبرة، منها :

 

1ـ تحقيق استقلال القضاء ماليا وإداريا وقضائيا بحيث لا يكون لأحد سلطان على القضاء إلا للشريعة كما هو مقرر شرعا وأكد على ذلك دستور بلادنا .

 

2ـ وجوب أن يكون القاضي مسلما عدلا عالما بأحكام الشريعة فلا يجوز أن يكون القاضي كافرا ولا مسلما فاقدا للعدالة .

 

3ـ وجوب أن يكون التحاكم إلى الشريعة الإسلامية لا إلى غيرها، قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا

 

أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا* وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) النساء الآيتان (60 -61) ، وأقسم الله على نفي الإيمان عمن لا يخضع ولا يستسلم لحكمه بقوله سبحانه: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء آية (65)، وقال سبحانه في وصف المؤمنين: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52) النور الآيتان(51، 52) ، وبناء عليه فيتم تقديم الجناة والمعتدين إلى القضاء الشرعي اليمني، ولا يجوز التحاكم إلى أي جهة أو محكمة تفتقد أي شرط من هذه الشروط سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية .

 

رابعا: رفع المظالم ورد الحقوق المشروعة إلى أهلها من أبناء المحافظات الجنوبية وغيرها :

 

يدعو علماء اليمن إلى سرعة تشكيل لجنة قضائية لمعالجة القضايا الحقوقية ورفع المظالم في حق أبناء المحافظات الجنوبية خاصة وأبناء اليمن عامة ، ويذكرون إخوانهم وأبناءهم في جميع المحافظات شمالا وجنوبا بتعظيم حقوق المسلمين وحرمة استباحة الدماء والأعراض والأموال قال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : (كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ)رواه مسلم . وقال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم :

 

(لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ) ، فلا يجوز هدر واستباحة دماء المسلمين المعصومة إلا بحكم صادر من القضاء الشرعي .

 

خامسا:توحيد الصف وجمع الكلمة والحفاظ على وحدة اليمن : يدعو العلماء جميع أبناء الشعب اليمني حكومة وشعبا للوقوف صفا واحدا في وجه من يثير الفتن أو يحاول إقصاء الشريعة، والتصدي لكل دعوات التمزيق والتفتيت المناطقية والطائفية للبلاد وكذلك جميع النعرات الجاهلية بكل صورها وأشكالها التي تعرض وحدة اليمن وسيادته للخطر وإزالة الأسباب التي أدت إلى ذلك، فنحن شعب واحد ديننا واحد ونبينا واحد وكتابنا واحد وقبلتنا واحدة ، قال تعالى : إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِالأنبياء: (92) .

 

سادسا: ترشيد الخطاب الإعلامي وتحسينه :

 

يدعو العلماء حكومة الوفاق ووزارة الإعلام خاصة إلى إلزام كل وسائل الإعلام الرسمية والأهلية بحسن الخطاب ولين القول، عملا بقول الله تعالى : وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًاالإسراء: 53) والدعوة إلى جمع الكلمة ورأب الصدع والابتعاد عن التجريح والتهييج وإشعال نار الفتن والكف عن التراشقات الإعلامية التي تفرق الصف وتزرع الأحقاد والضغائن والابتعاد عن كل ما يخالف الآداب والضوابط الشرعية ويتنافى مع أعرافنا وتقاليدنا الحميدة .

 

سابعا : اعتماد مبدأ الكفاءة والأمانة:

 

يدعو علماء اليمن كل وزير ومسئول في حكومة الوفاق الوطني إلى اعتماد الكفاءة والأمانة والنزاهة والالتزام بالشعائر الإسلامية التي أكد عليها الدستور في تولية الوظيفة العامة، قال تعالى على لسان ابنة الرجل الصالح : قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ القصص: 26 ، بعيدا عن الو لاءات الضيقة والعصبيات الحزبية و المناطقية والعرقية ، وعدم إقصاء الآخر لذلك .

 

ثامنا : الحفاظ على ثروات البلاد والتزام الشفافية فيها :

 

يدعو علماء اليمن الحكومة إلى الحفاظ على ثروات البلاد والتزام مبدأ الشفافية وإطلاع الشعب اليمني على ثرواته وموارده ، وحسن استغلال الموارد وتوجيهها في مصلحة البلاد والعباد مع مراعاة الأولويات في المصارف فلا يجوز الصرف على التحسينيات والترفيهيات قبل إشباع الضروريات والحاجيات، قال عمر بن عبد العزيز ـ رضي الله عنه ـ :( لئن أُطعم بطون الجوعى خير لي من كساء الكعبة)،ويجب اختيار الأمناء والأكفاء على رعاية هذه الثروات والموارد

 

تاسعا : الالتزام بحقوق الإنسان بنسختها الإسلامية : يدعو علماء اليمن إلى الالتزام بحقوق الإنسان التي أقرتها الشريعة الإسلامية وبيَّنها الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان الذي ناقشته وأقرته منظمة المؤتمر (التعاون) الإسلامي في عشرة مؤتمرات لها على مستوى وزراء الخارجية بالإضافة إلى ثلاثة مؤتمرات للقمة ، وأشرف على إعدادها عدد من كبار الخبراء والمختصين ، ففي ذلك مراعاة لهويتنا وخصوصيتنا العقائدية والفكرية الإسلامية التي نتميز بها عن غيرنا من أصحاب الديانات والمعتقدات الأخرى، ويؤكد العلماء على ضرورة جعل هذا الإعلان مرجعا لكل دعاة حقوق الإنسان؛ إذ لا يخفى أن حقوق الإنسان المسلم مقيدة بدينه والحقوق التي وضعها غير المسلمين لا يقيدها دين .

 

عاشرا :منع الاعتداء الآثم ورفع الحصار الظالم :

 

يؤكد العلماء على الآتي :

 

1ـ دعوة الجهات المعنية في الدولة للقيام بمسؤولياتها في العمل على استتباب الأمن والحفاظ على السكينة العامة ووجوب إيقاف الاعتداءات الآثمة من بعض الوحدات العسكرية على تعز وأرحب والحيمتين ونهم وبقية المناطق المعتدى عليها ، ووجوب إيقاف نزيف الدم في محافظة أبين وغيرها وتعظيم حرمات المسلمين في دمائهم وأموالهم وأعراضهم ومساكنهم .

 

2ـ يستنكر العلماء ما يجري من حصار ظالم واعتداء آثم من قِبَل الحوثيين سُفكت فيه دماء الأبرياء من طلاب العلم وسكان منطقة دمَّاج من النساء والأطفال والشيوخ والشباب،كما تناقلت ذلك وسائل الإعلام وأكدته المنظمات الحقوقية التي زارت المنطقة ، كما يستنكر العلماء تقاعس أجهزة الدولة المعنية عن القيام بواجبها في صيانة الدماء وحماية الأعراض والممتلكات وردع المعتدي وفك الحصار وتقديم الإغاثة، ويحذر العلماء من تصاعد هذه الاعتداءات المعتَمِدة على النَّعَرات الطائفية والعصبيات الجاهلية ، والتي من شأنها تأجيج العداوة والبغضاء وزرع بذور الفرقة والفتن بين أبناء الشعب اليمني، فنحن جميعا شعب واحد تجمعنا أخوة الإسلام، كما قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَالحجرات: آية (10) .

 

أحد عشر: تعظيم حرمة الدماء والأموال والأعراض والمساكن : يذكر علماء اليمن أبناء الشعب اليمني جميعا بكل فئاته وشرائحه وقواه بعظيم حرمة الاعتداء على الدماء والأعراض والأموال والممتلكات العامة والخاصة ، ووجوب صيانتها والمحافظة عليها لقوله صلى الله عليه وسلم : (كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ)رواه مسلم .

 

اثنا عشر : توثيق روابط الأخوة وإشاعة روح الصفح والتسامح : يدعو علماء اليمن أبناء الشعب اليمني إلى توثيق روابط المحبة والإخاء والتعاون على البر والتقوى ، وكل ما من شأنه صلاح أحوال البلاد والعباد في الحال والمآل ، وتصفية النفوس مما حل بها من الأحقاد والضغائن ، والعمل على إشاعة روح الصفح والتسامح ، ليحيا الجميع في ظل أخوة إسلامية صادقة حرة وكريمة استجابة لقول الله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات آية(10 ) ، ولقوله تعالى : (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) الشورى آية(40) ، وقال عليه الصلاة والسلام :(لا تكونوا أعوانا للشيطان على أخيكم ... إن الله عفو يحب العفو قال تعالى : (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النور آية( 22) .

 

ثلاثة عشر: للضرورات أحكامها وللمصالح ضوابطها : إن المصلحة العامة للبلاد والعباد في الشريعة الإسلامية تقتضي في أي تصرف أو ترخص أو تغيير يقدم عليه أي مسلم أن يكون مؤديا إلى تحقيق المصالح الشرعية وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها، وترجيح خير الخيرين وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما، وأعلى هذه المصالح الحفاظ على الدين وصيانة النفوس وحقن الدماء وحماية الأعراض والعقول والأموال ، وإذا كان الحفاظ على هذه الضروريات وما تستلزمه من استتباب الأمن وسير الناس في معايشهم مطمئنين واستقرار حياتهم لا يتم إلا بشيء من الأخذ ببعض الرخص، فإن الشريعة الإسلامية تجيز للمسلم عند الضرورة ما لا تجيز له في الأحوال الاعتيادية، قال تعالى : (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) الأنعام آية (119) ، وذلك بشروط :

 

1ـ تحقق وجود الضرورة يقينا أو بغلبة الظن .

 

2ـ أن يكون المرجع في تقدير الضرورة هم علماء الشريعة المجتهدون مع استشارة أهل الخبرة والاختصاص في بيان الحالة والواقع .

 

3ـ ألا يتجاوز القدر المحتاج إليه لرفع الضرورة عملاً بالقاعدة الشرعية أن ما أبيح لضرورة فيقدر بقدرها ؛ لأن ما زاد عن حد الضرورة يبقى على أصل التحريم .

 

4ـ ألا يؤدي الأخذ بالضرورة إلى منكر مساوٍ أو إلى ما هو أعظم منه ، فلا يجوز التفريط بالدين من أجل الحفاظ على المال أو الأرض .

 

كما يؤكد العلماء على وجوب ألا يتضمن أي صلح ما يحل حراما أو يحرم حلالا، كما قال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : ( الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما والمسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.

 

أربعة عشر : واجبات ومسؤوليات كبرى أمام نائب الرئيس وحكومة الوفاق الوطني : يدعو علماء اليمن كبار المسئولين في الدولة وفي مقدمتهم نائب الرئيس وحكومة الوفاق الوطني لتحمل مسئولياتهم في العمل على ما يأتي :

 

1ـ اتخاذ التدابير اللازمة لرفع الضرر والمعاناة والمشقة عن كاهل الشعب اليمني بإعادة دعم السلع الضرورية والمشتقات النفطية من البترول والديزل وتخفيض أسعارها وإصلاح التيار الكهربائي وسائر الخدمات الأساسية .

 

2ـ تخفيف معاناة الفقراء بإنشاء ديوان خاص بالزكاة يشرف عليه مجلس أعلى مستقل مكون من العلماء والتجار وممثلي الجهات المعنية في الدولة وعدد من خبراء المحاسبة والاقتصاد يحوزون على ثقة مجلسي النواب والشورى ؛ لجمع الزكاة وحفظها وإيصالها إلى مستحقيها من الفقراء والمساكين وغيرهم من أصحاب مصارف الزكاة الثمانية كما قال تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) التوبة آية (103) .

 

3ـ وجوب رعاية الدولة لأسر الذين قدَّموا أرواحهم لرفع الظلم والاستبداد وإصلاح أوضاع البلاد ، وكذلك المعاقين الذين أصيبوا في هذه الأحداث وذلك بتخفيف معاناتهم مما حل بهم ، وتعويضهم تعويضا مناسبا من تأمين لسكن دائم واعتماد راتب شهري يكفي لحاجاتهم ودفع تعويضات مجزية .

 

4ـ تَكَفُّل الدولة بعلاج الجرحى في الداخل أو الخارج حتى يتم شفاؤهم مهما كلَّف ذلك .

 

5ـ تعويض من تضررت منازلهم أو محلاتهم وممتلكاتهم تعويضا عادلا .

 

6ـ تصحيح وإصلاح أوضاع من قُطِعت رواتبهم أو سُرِّحوا من وظائفهم بغير حق سواء في هذه الثورة أو ما سبقها من أحداث .

 

7ـ إطلاق سراح المسجونين والمختطفين ظلما وعدوانا والبحث عن المفقودين وإعادتهم إلى أهلهم .

 

8ـ قيام الحكومة الجديدة بوضع برامج إيمانية وتوعوية لربط الناس عموما وموظفي الدولة خصوصا بمراقبة الله تعالى فهو أدعى لتحسين الأداء والقيام بالأمانة على وجهها .

 

خمسة عشر : كي لا تعود البلاد إلى الأخطار والمصائب والدمار : يدعو علماء اليمن جميع أبناء الشعب اليمني حكاما ومحكومين إلى إصلاح ذات بينهم وتعميق روابط الأخوة وإصلاح وتلافي ما سببته المرحلة السابقة ، وعدم السماح لأي جهة كانت بالعودة بالبلاد إلى حالتها السابقة من الانقسام وفساد ذات البين والاحتراب الداخلي ومخالفة أحكام الشريعة وتجاوز حدودها ، وإنهاك البنية الاقتصادية والعسكرية ، ونهب إمكانيات الشعب وتدمير مقدراته ، وتعريض وحدة البلاد واستقلالها وسيادتها للخطر ، وتشجيع مروجي الفساد ودعاة الانحلال الأخلاقي ، ولذا يجب على الدولة العمل على سد كل باب يؤدي إلى ما سبق من المنكرات ومنع أي تسلط أو استبداد يجعل الشعب كالمتاع الذي يتوارثه الأبناء عن الآباء .

 

ستة عشر : حرمة أموال المسلمين وجريمة التخوض فيها : يؤكد العلماء على حرمة المال العام والخاص ووجوب تبرئة الذمة من أي مال أخذ بغير حق منهما ، وإعادته إلى خزينة الدولة أو إلى صاحبه ، فمن نجا في الدنيا من الحساب أمام القضاء فلن ينجو من ذلك يوم القيامة، قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وصحبه وَسَلَّمَ : ( إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه البخاري قال ابن حجر في فتح الباري : ومعنى (يَتَخَوَّضُونَ ) أَيْ يَتَصَرَّفُونَ فِي مَالِ الْمُسْلِمِينَ بِالْبَاطِلِ . وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم « مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولاً يَأْتِى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». رواه مسلم .

 

 

 

 

 

سبعة عشر: وجوب إيقاف المجازر البشعة في سوريا : يستنكر علماء اليمن ويدينون ما يجري اليوم من إزهاق للأرواح المعصومة وسفك للدماء ومجازر بشعة يقوم بها النظام السوري ضد شعبه، ويدعون النظام السوري لوقف هذه المجازر والاعتداءات واحترام آدمية الإنسان وكرامته ، كما يدعو علماء اليمن منظمة التعاون الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي والجامعة العربية واتحاد علماء المسلمين ورابطة علماء المسلمين لبذل الوسع واتخاذ سائر الإجراءات المشروعة لوقف نزيف دم إخواننا في سوريا .

 

ثمانية عشر: دعوة لإخواننا في مصر وليبيا وتونس : يدعو علماء اليمن القيادات والشعوب في مصر وليبيا وتونس ببذل غاية الجهد لأن تكون الشريعة الإسلامية أولى أولويات مرحلة ما بعد تحقق أهداف الثورة ففي ذلك صلاح أمر الدنيا والآخرة، ووجوب المحافظة على الأخوة العامة واحترام إرادة الشعوب .

 

تسعة عشر: شكر وثناء : يتوجه علماء اليمن بالشكر لله وحده الذي لطف باليمن واليمنيين ثم لإخوانهم وأبنائهم المعتصمين في الساحات والميادين والذين شاركوا في إصلاح أوضاع البلاد والقيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكانوا سببا في التعجيل بحل مشكلة اليمن و كما يتوجهون بالشكر لكل من قام بواجبه المُشرّف في الوقوف معهم والدفاع عنهم ومنع الاعتداء عليهم ، و يتوجهون بالشكر لكل من ساهم وبذل جهده من الداخل أو الخارج لإصلاح ذات البين وحقن دماء أبناء اليمن والحفاظ على وحدة البلاد وأمنها واستقرارها .

 

عشرون : دعوة للتضرع واللجوء إلى الله تعالى : يدعو علماء اليمن جميع أبناء الشعب اليمني في مثل هذه الظروف العصيبة التي تمر بها بلادنا وتتقلب فيها أحوالنا بتقوية الصلة بالله والتضرع واللجوء إليه والتوبة من الذنوب صغيرها وكبيرها ، قال تعالى : (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا ) [الأنعام/43] ، فمن استقام على دين الله واتبع رضاه أصلح الله دنياه وآخرته قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )(النحل آية( 97) ، وقال تعالى : (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ) طه آية(123) ومن تنكب عن شرع الله وصد عنه أشقاه الله في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) طه آية (124) .

نسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه وأن يؤلف بين قلوب المسلمين أجمعين وأن يجمع كلمتهم على الحق والدين ، كما نسأله سبحانه أن يحفظ لنا ديننا وبلادنا ووحدتنا وأمننا واستقرارنا . والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين صادر عن علماء اليمن ـ صنعاء.

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع الشيخ أحمد المعلم