البحوث

يوم عاشوراء.. ومقتل الحسين رضي الله عنه..بين الرافضة والناصبة

2010-07-26



استهلال:

* ما المراد بيوم عاشوراء، وما فضله وماذا ينبغي فيه؟

* ما هو السبب الذي دعا الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما للخروج؟

* ماذا نتج عن القتال بين الإمام الحسين وجيش يزيد بن معاوية؟

* هل الرفض مجرد مذهب من مذاهب المسلمين أم عقيدة فاسدة مفسدة؟

إجابات هذه الأسئلة، بالإضافة إلى عدد من الفوائد واللفتات العلمية والتاريخية المهمة تجدها في هذا الموضوع القيم، فاحرص على التركيز يتضح لك زوايا مهمة من هذا الموضوع الشائك والخطير، رزقنا الله وإياك العلم النافع والعمل الصالح.

 

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:

 

سبب الحديث في هذا الموضوع ثلاثة أمور:

أولاً: أن بعض الكتَّاب والخطباء والدعاة يكررون في مثل هذه الأيام الكلام عن عاشوراء ومقتل الحسين رضي الله عنه، ذلك أن الحسين رضي الله عنه قتل يوم عاشوراء الذي صادف يوم الجمعة، العاشر من شهر محرم من عام 61هجرية. وهم يتكلمون فيه بحق وبباطل، ونحن في هذا الطرح نحاول إن شاء الله أن نتكلم بالحق، وأن نرد الباطل بحول الله وقوته.

ثانياً: نريد أن نبين فضل هذا اليوم وما فيه من عمل صالح رغب فيه الرسول صلى الله عليه وسلم.

ثالثاًَ: نريد أن نكشف ما تعمله وتخطط له الرافضة، وما تستغله من مشاعر المسلمين المتأججة المليئة بالحزن والأسى على سيد شباب أهل الجنة، الحسين بن علي رضي الله عنه وعن أبيه.

 

يوم عاشوراء.. ماهيته وفضله وما ينبغي فيه:

يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم على الصحيح، قال القرطبي رحمه الله: عاشوراء معدول عن عاشرة؛ للمبالغة والتعظيم، وهو في الأصل صفة لليلة العاشرة؛ لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم العقد، واليوم مضاف إليها، فإذا قيل يوم عاشوراء، فكأنه قيل يوم الليلة العاشرة، إلا أنهم لما عدلوا به عن الصفة، غلبت عليه الاسمية، فاستغنوا عن الموصوف، فحذفوا الليلة، فصار هذا اللفظ علماً على اليوم العاشر.

 

عاشوراء: اسم علم على اليوم العاشر من شهر المحرم. وهذا اليوم هو اليوم الذي نجا الله فيه موسى عليه السلام وقومه من فرعون. وقد عرفنا ذلك من خبر اليهود، الذي أكّده النبي صلى الله عليه وسلم وأقرهم عليه كما في الأحاديث المستفيضة الصحيحة، ففي الصحيحين وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا اليوم الذي تصومون؟ قالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنحن أحق وأولى بموسى منكم". فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه» (1). وكان صومه في بداية الأمر فرضاً لازماً، فلما فرض رمضان كان فرض الصيام هو رمضان، وبقي صيام يوم عاشوراء مستحباً وليس واجباً. وهذا ورد في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما هاجر إلى المدينة صامه وأمر بصومه، فلما فرض شهر رمضان قال: «من شاء صامه ومن شاء تركه» (2).

وكانت قريش تصومه كذلك وتعظمه وتكسو فيه الكعبة، كما رواه البخاري وغيره. قال الحافظ في الفتح: "وأما صيام قريش عاشوراء فلعلهم تلقوه من الشرع السالف، ولهذا كانوا يعظمونه، ويكسون الكعبة فيه وغير ذلك".

 

فالرسول صلى الله عليه وسلم وجد اليهود يعظمون هذا اليوم، ويتخذونه عيداً ويصومون فيه، ووجد كفار مكة -أهل الجاهلية من العرب أيضاً- يعظمونه ويصومونه ويكسون فيه الكعبة. فما الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم؟ هل جاراهم على ذلك؟ هل وافقهم في كل ما أتوا به؟ لا، وإنما أخذ من ذلك ما هو موافق لأمر الله سبحانه وتعالى، فلم يعظمه كما عظمه اليهود، ولم يتخذه عيداً، وكذلك لم يعظمه كما عظمته قريش، وإنما وجد أن الصيام فيه أمر يحبه الله فصامه كما صامه من قبله موسى عليه السلام. وكان في البداية يصومه كما تصومه قريش (يصوم في اليوم العاشر)، ذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام في بداية أمره، كان بين فريقين من الناس: بين وثنيين جاهليين لهم عاداتهم وتقاليدهم ومظاهرهم وسلوكهم، وبين اليهود والنصارى أهل الكتاب، الذين لهم أيضاً عاداتهم وسلوكهم ومظاهرهم. فلما كان لا بد في بعض الأحيان أن يوافق أحد الطرفين، كان يفضل أن يوافق أهل الكتاب؛ لأنهم أقرب إليه وإن كانوا منحرفين، لكنهم أقرب من الوثنيين. فلما استقر الإسلام وزالت الوثنية من جزيرة العرب، بفتح مكة وما بعدها، لم يبق هناك شعار، ولم يبق هناك مظهر للشرك وأهل الشرك، فبقي هناك أمر أهل الكتاب اليهود والنصارى وأمر المسلمين. فذلك خالف النبي صلى الله عليه وسلم اليهود والنصارى، وأمر بمخالفتهم. ومن ذلك صيام يوم عاشوراء، فقد عزم صلى الله عليه وسلم على صيام اليوم التاسع مع العاشر كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» (3).

وفي رواية أخرى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم» (4). فأصل الصيام مشروع، إذن يحافظ عليه، وطريقته ينبغي أن نخالف فيها اليهود، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو وعد وقال: «لئن بقيت إلى عاشر -إلى العام القادم- لأصومن التاسع». قال ابن القيم رحمه الله: "يعني يريد أن يصوم التاسع مع العاشر". ولذلك قال العلماء: من أراد أن يصوم عاشوراء، فأفضل صورة له أن يكون مع صيام العاشر صيام التاسع، هذا هو الأولى؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام عزم على ذلك، فإن لم يتمكن من صيام اليوم التاسع، فيصوم العاشر ويصوم الحادي عشر؛ حتى يظهر المخالفة لليهود كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

 

هل يحتج بيوم عاشوراء على الاحتفال بالأيام الفاضلة؟

هل صيام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء -شكراً لله تعالى على نجاة موسى وقومه- يعتبر دليلاً على الاحتفال بالأيام الفاضلة؟ بعض الناس يقولون: مادام أن النبي صلى الله عليه وسلم صام ذلك اليوم الذي نجّا الله فيه موسى وقومه، وهو يوم عظيم لا شك عند الله، إذن فهذا دليل على أننا نحتفل بالمناسبات، وعلى أننا نتعبد الله في المناسبات، وعلى أننا نقيم الموالد والحضرات، وغير ذلك في المناسبات ما دام أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد سبقنا في ذلك وصام في اليوم الذي نجا الله فيه موسى وقومه.

 

نقول: إن هذا كلام غير صحيح، والدليل على ذلك أن هناك أيام فاضلة كثيرة: هناك أيام أهلك الله فيها أعداءه، وهناك أيام نصر الله فيها رسله، وهناك أيام في تاريخ الإسلام: ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، بعثته، هجرته، يوم انتصاره في بدر، أيام كثيرة في تاريخ الإسلام نفسه، لم يحتفل فيها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجعل فيها مناسبات، ولم يجعل فيها عبادات خاصة بها فيما عدا يوم مولده الذي صادف يوم الخميس، فكان عليه الصلاة والسلام يصوم يوم الخميس -اختلفت الروايات- فلما سئل عن ذلك قال: «إنه يوم ولدت فيه وبعثت فيه، وأنزل عليَّ فيه، فأنا أصومه».

 

فشكر النعمة هو بالتعبد لله تعالى، مثل الصيام، وهذا لا يكون إلا بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك الصحابة -رضوان الله عليهم- لم يصوموا في أي من الأيام الفاضلة التي مرت في تاريخ الإسلام، ولم يحتفلوا فيما عدا الأيام التي شرع لهم فيها النبي صلى الله عليه وسلم تلك العبادات. ولم يحتفل النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من ذلك مطلقاً، وإنما صام يوم عاشوراء وصام يوم الإثنين، اليوم الذي ولد فيه وبعث فيه وأنزل عليه فيه. فدل ذلك أن الله سبحانه وتعالى له حكمة في مشروعية صيام هذين اليومين، وله حكمة كذلك في ترك بقية الأيام الفاضلة، وعدم مشروعية تخصيصها بأي عمل صالح، فضلاً عن الاحتفال بذلك، ونحن أمة دينها الاتباع، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم:أن شر الأمور محدثاتها، وأن كل محدثة بدعة (5)، وكل بدعة ضلالة، وعلّما أن: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (6). وقال أيضاً: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (7).

 

وكما أن يوم عاشوراء كان فيه نجاة موسى وقومه، فعظّمه اليهود من أجل ذلك، فإنه كذلك وقعت فيه محنة عظيمة، وكارثة أليمة، وفاقرة من فواقر الدهر، وهي مقتل الحسين السبط، الشهيد الحسين بن علي رضي الله عنهما. ونظراً لفداحة الحادثة، وما ترتب عليها من فتن وخطوب عصفت بالأمة الإسلامية، فقد استمرت آثارها إلى اليوم. ويجدر بنا أن نخصص الحديث عن ذلك من خلال عدة محاور:

 

المحور الأول: التعريف الموجز بالحسين رضي الله عنه :

فهو الإمام الشريف، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته من الدنيا ومحبوبه، أبو عبد الله الحسين ابن أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي رضي الله عنهما. ولد في الخامس من شعبان سنة أربع من الهجرة، وقتل يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، وله ست وخمسون سنة، وهو وأخوه سيدا شباب أهل الجنة كما قال صلى الله عليه وسلم ذلك فيما رواه أحمد والترمذي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وغير. وبما أن تلك المنازل العالية لا تنال إلا بالابتلاء والامتحان، فقد جرى له من ذلك أوفر نصيب، وتلقاه بأكمل مراتب الصبر والثبات حتى لقي ربه.

 

المحور الثاني: في موجز خروجه واستشاده:

بعد الذي جرى لعلي ومعاوية رضي الله عنهما، وبعد مقتل علي رضي الله عنه أفضت الخلافة إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما، ثم تنازل عنها لمعاوية رضي الله عنه حقناً لدماء المسلمين، على أن يجعل معاوية الأمر للحسن من بعده، غير أن الحسن مات قبل معاوية رضي الله عنهما، عند ذلك عهد معاوية من بعده لابنه يزيد، فلما توفي معاوية رضي الله عنه وقام بالأمر يزيد، تخلّف الحسين رضي الله عنه عن بيعته لمبررات رآها، وخرج من المدينة إلى مكة واستقر فيها، فكاتبه شيعة أبيه من الكوفة -وكان أكبر تجمع لهم هناك- أن يخرج إليهم، وأنهم سوف ينصرونه إذا صار إليهم، فاغتر بوعدهم، وظن أنه سيحقق بذلك إصلاحاً للأوضاع المتردية، وتقويماً للانحراف الذي بدأ بخلافة يزيد بن معاوية. ويزيد معروف أنه كان فاسقاً وكان ظالماً، وكان فيه انحراف، غير أن الناصحين له من ذوي المعرفة أشاروا عليه ألا يفعل. ومن أبرزهم: ابن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن جعفر وغيرهم، حتى أن عبد الله بن عمر ألحّ على الحسين أن يبقى ولا يخرج، فعصى مشورتهم وخرج، فقال له ابن عمر: أستودعك الله من قتيل. وهذا نوع من إدخال اليأس عليه حتى لا يخرج. أي أنك بخروجك هذا سوف تسعى إلى القتل.

 

وهكذا لقي الحسين رضي الله عنه الفرزدق الشاعر المشهور في الطريق، فقال له الفرزدق: قلوبهم معك وأسيافهم مع بني أمية، هؤلاء الشيعة الذين يكاتبونك، والذين يمنّونك بالخروج، قلوبهم معك، هم حقيقة يحبونك، لكن سيوفهم ستكون مع بني أمية. ولكن القضاء قد أبرم، والقدر قد أحاط، والرسول صلى الله عليه وسلم قد كشف عن ذلك بما أوحى الله إليه، بل لقد جاءه جبريل بذلك عياناً، فقد أخرج الحاكم من حديث أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام، فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا» وأشار إلى الحسين رضي الله عنه. إن أمتي ستقتل ابني هذا، يعني الحسين. فقلت: هذا؟ فقال: "نعم". وأتاني بتربة من تربته حمراء. وفي هذا المعنى أحاديث أخرى، ولذلك لم يسمع الحسين رضي الله عنه أي نصح، وأصر على الخروج حتى التقى بجيش يزيد الذي أخرجه له والي الكوفة عبيد الله بن زياد بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص.

انظروا الفتنة: قائد الجيش الذي يقتل الحسين هو عمر بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فالتقى به في كربلاء، وعندما رأى الحسين رضي الله عنه أنه قد غرر به، وأن من كاتبوه قد زحفوا لقتاله مع أعدائه، وأن لا طاقة له بهم.

عند ذلك عرض عليهم عدة أمور منها: أن يتركوه فيرجع فرفضوا، ومنها: أن يدعوه حتى ينفذ إلى ثغر من ثغور الإسلام فيجاهد في سبيل الله، أو إلى حد من حدود المسلمين مع أعدائهم فيقاتل مع المسلمين هناك رفضوا ذلك أيضاً وأبوا إلا أن يكون أسيراً فيأخذوه، حتى يحكم فيه يزيد. عند ذلك نشب القتال، فقاتل قتالاً عظيماً، وقاوم مقاومة باسلة، وكذلك من معه وهم عدة قليلة جداً، قاتلوهم، وحاصرهم الجيش، وأبعدوهم عن الماء، وأحرقوا ما حولهم من العشب والأشجار التي كانت قريباً منهم، حتى يشتد عليهم الحر ويصيبهم العطش فتوهن قواهم، فعلوا ذلك. وكان من نتيجة هذه الفتنة: قتل الحسين بن علي رضي الله عنه، واحتزاز رأسه، فأُخذ مع النساء والأطفال الذين بالمعسكر إلى يزيد بدمشق، ثم ردت النساء والأطفال إلى المدينة، ولم يبق من أبنائه غير علي زين العابدين، حيث كان صغيراً رضي الله عنه.

 

المحور الثالث: ما نتج عن قتل الحسين رضي الله عنه من البدع:

بمقتله رضي الله عنه بتلك الصورة الشنيعة والحالة المثيرة للعواطف، انفتح باب جديد من أبواب الفتنة، لا زالت آثاره إلى اليوم تزيد وتتسع: فالشيعة الذين كاتبوه بالخروج، وبايعوه على القتال معه، ثم خانوا وغدروا، وساروا إليه بالجيش الذي قتله -أنّبتهم نفوسهم، وشعروا بفداحة الجرم الذي ارتكبوه، وتاقت نفوسهم لعمل شيء يكفّرون به ما فرط منهم بعدما وقعوا في المشكلة وقتلوا الإمام. وبهذه الحالة النفسية المتأججة والظروف المواتية، بادر شياطين الجن والإنس، فغرسوا بذور الفتنة، وأشرعوا أبواب البدعة، وحملوا بقضهم وقضيضهم لتفريق كلمة المسلمين ونشر مبادئهم الإلحادية في أوساط الشيعة، فكان لهم ما أرادوا.

 

فدخل عبد الله بن سبأ، ودخل غيره من أبناء الفرس وأبناء اليهود الذين تظاهروا بالإسلام، فجروا الناس إلى هذه المشاكل والفتن كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وصار الشيطان بسبب مقتل الحسين رضي الله عنه يحدث للناس بدعتين: بدعة الحزن، وبدعة النوح يوم عاشوراء، من اللطم للوجوه والصراخ والبكاء والعطش، وإنشاد المراثي، وما يفضي إليه ذلك من سب السلف ولعنهم، فيسبون بني أمية ثم يسبون الصحابة والذين معهم ويسبون السابقين الأولين، حتى أنهم ليسبون أبا بكر وعمر. وتقرأ أخبار مصرع الحسين رضي الله عنه والتي كثير منها كذب، وكان من قصد من ابتدع هذه البدعة فتح باب الفتنة والفرقة بين الأمة. وهذا ليس واجباً ولا مستحباً باتفاق المسلمين، بل إحداث الجزع والنياحة في المصائب جريمة من أعظم ما حرمه الله ورسوله فالأحاديث التي نهت عن النياحة كثيرة، حتى عندما تنوح المرأة على ابنها وعلى زوجها محرم، فكيف بأمة كاملة تنوح وتخرج إلى الشوارع تضرب رؤوسها بالسيوف! وتضرب ظهورها بالسلاسل! وتسيل الدماء وتحثو التراب على وجوهها!

 

من الصور التاريخية للبدع في يوم عاشوراء:

كان الشاه إسماعيل الصفوي، وهو من أكابر الشيعة الذين كونوا دولة كبيرة للتشيع في إيران في القرن العاشر، كان يلطخ وجهه بالوحل: يأتي بالتراب من الشارع -وهو الملك، وعلى بساط الملك وسرير الملك- فيجلس ذلك اليوم في ثياب سوداء وبشكل حزين، ويأتي بالتراب الملوث، ويدهن به وجه إظهاراً للحزن!

هذا كله من الأشياء المحرمة، وما زالوا حريصين على إظهار شعائر الحزن في ذكرى مقتل الحسين رضي الله عنه ولكنهم لم يستطيعوا إظهارها إظهاراً كاملاً بالشكل الملفت للنظر الزائد على الحد، إلا عندما تمكنوا من السلطة، وحكموا الأمة الإسلامية باستيلائهم على عاصمة الخلافة الإسلامية وقهر خلفائها السنة في عهد البويهيين. أي كان الشيعة يعيشون تحت رعاية الدولة السنية: الدولة الأموية، ثم الدولة العباسية.

 

ولكن، في حوالي المائة الرابعة نشأت دولة في الشرق الإسلامي لبني بويه قوم من الفرس، وانتحلوا التشيع، ثم توسعت دولتهم، ووصلوا إلى بغداد واحتلوها، وجعلوا أنفسهم هم الذين يحكمون العالم الإسلامي. وأما الخليفة، فإنما يكون له الاسم الفخري فقط، ليس له زيادة على ذلك، فصارت مقاليد الأمور كلها في يد هؤلاء الرافضة كما قال الحافظ ابن كثير في ( البداية والنهاية )، قال: وقد أسرف الرافضة في دولة بني بويه في حدود الأربعمائة وما حولها، فكانت (الدبادب) تضرب -نوع من الطبول- في بغداد ونحوها من البلاد في يوم عاشوراء، ويذر الرماد والتبن في الطرقات و الأسواق، وتعلّق المسوح، أي الجلود السوداء -التي فيها نوع من القباحة- على ( الدكاكين) ويظهر الناس الحزن والبكاء، وكثير منهم لا يشرب الماء ليلتئذ، موافقة للحسين؛ لأنه قتل عطشاناً! ثم تخرج النساء حاسرات عن وجوههن، ينحن، ويلطمن وجوههن وصدورهن، حافيات في الأسواق، إلى غير ذلك من البدع الشنيعة والأهواء الفظيعة والهتائك المخترعة. وإنما يريدون بهذا وأشباهه أن يشنعوا على دولة بني أمية؛ لأنه قتل في دولتهم، أي يريدون بذلك مكاسب سياسية كما سيأتي.

 

قلت: وما زال الحال على ذلك بل ازداد سوءاً وبشاعة، خصوصاً منذ أن قامت الدولة الصفوية في إيران وهي دولة صوفية رافضية، من أشد الدول تعصباً للرفض، حتى حولت إيران الذي كان معظم أهله من السنة، حولته إلى منطقة شيعية لا مكان فيها لأهل السنة، ومن بقي منهم من أهل السنة داخل إيران يعاني الأمرّين، ويتعرض لكل أنواع الأذى في كل حين. وقد خفت وطأتهم بعض الشيء في الفترة قبل الأخيرة، خفت هذه المظاهر؛ لأن دولة الشاه محمد رضا وأبوه وأسرته كانت علمانية، فلذلك لم تتحمس لهذه المظاهر. ولكن، بعد أن أعلنت في إيران الجمهورية الإسلامية، وتولت ولاية الفقيه السلطة، صدرت الأوامر بإحياء تلك الأعمال كجزء من السياسة المذهبية للشيعة، وأخذت الجمهورية الإسلامية الفتية تساعد الفئات الشيعية في كل أرض، وتحثهم مالياً ومعنوياً لإحياء هذه البدعة التي أدخلتها السياسة الاستعمارية الإنجليزية إلى العالم الإسلامي الشيعي قبل مائتي عام، وذلك لتظهر وجه الإسلام والمسلمين بالمظهر الكالح، وتبرر استعمارها لبلاد الإسلام. وهذا الكلام هو للموسوي الشيعي صاحب كتاب (الشيعة والتصحيح).

 

والبدعة التي أشار إليها، والتي أدخلها الإنجليز من الهند إلى إيران، هي التظاهر بمظاهر الحزن العميق من البكاء والنياحة وخروج النساء حاسرات يلطمن الوجوه ويشققن الجيوب، وخروج الرجال يضربون أنفسهم بالسلاسل الضرب المبرح الذي يدمي أجسامهم، وكذلك يضربون رؤوسهم بالسيوف والهراوات في مناظر مقززة ومنفرة، ويصحب ذلك السب البذيء واللعن والتجريح لبني أمية ولسائر الأمة غير الرافضة، بل للخلفاء الراشدين والصحابة! وهذه المناظر استغلها أعداء الله من غير المسلمين فصوروها.

 

والذين ابتلوا بالقنوات الفضائية سوف يرون في مثل هذه الليلة والتي تليها شيئاً من هذه المظاهر، لأن الوكالات الغربية تحرص على إظهار هذه الأشياء ونقلها إلى جميع أنحاء العالم؛ من أجل أن يقول العالم كله: انظروا إلى المسلمين وهمجيتهم ووحشيتهم وتخلفهم وقلة عقولهم. وهذه المناظر استغلها أعداء الله من غير المسلمين، فصوروها وضخموها، ونقلوها إلى الأمم غير الإسلامية على أنها هي الإسلام، وجعلوها في أيام الاستعمار من مبررات استعمارهم للمسلمين. يقول الدكتور موسى الموسوي:"وكان الإنجليز هم الذين استغلوا جهل الشيعة وسذاجتهم وحبهم الجارف للإمام الحسين، فعلموهم ضرب القامات على الرءوس.

 

وحتى عهد قريب كانت السفارات البريطانية في طهران وبغداد تموّل المواكب الحسينية التي كانت تظهر بذلك المظهر البشع في الشوارع والأزقة. وكان الغرض وراء السياسة الاستعمارية الإنجليزية في تنميتها لهذه العملية البشعة واستغلالها أبشع استغلال، هو إعطاء مبرر معقول للشعب البريطاني، وللصحف الحرة التي كانت تعارض بريطانيا في استعمارها للهند ولبلاد إسلامية أخرى، وإظهار شعوب تلك البلاد بمظهر المتوحشين، الذين يحتاجون إلى قيم تنقذهم من الجهل والتوحش، فكانوا يدفعون الأموال لهؤلاء ويشجعونهم، ثم يصورونهم ويقولون للناس: انظروا إليهم ماذا يفعلون".

 

هذه كانت سياسة بريطانيا، والرافضة حين يفعلون ذلك، لم يفعلوه لوجه الله، فليست القضية كلها سذاجة، ولم يفعلوه لمجرد حب الحسين رضي الله عنه ولا لتجدد الحزن عليه على الحقيقة، وإنما لهم في ذلك مقاصد سياسية وطائفية كبيرة، يقول الموسوي: "ولذلك كانت كربلاء في عهد الخلافة الأموية والعباسية تشهد المظاهرات الشيعية الكبرى في شهر محرم وصفر، ولاسيما العاشر من محرم، وهو اليوم الذي قُتل فيه الحسين، وكان المجتمعون يحتشدون بصمت أمام القبر، ويوحدون صفوفهم في قراءة الزيارات التي كانت عملية تثقيفية من ورائها حكماء وعلماء أحكموا فيها وضع الخطة التي تجمع الشيعة في خط واحد لا تنفصم عراه".

 

وحقاً، كان المخططون في وضع تلك الزيارات عباقرة، استطاعوا تفهّم النفسية الشيعية في عهد الأمويين والعباسيين تفهماً مطلقاً فجاءت تلك الزيارات وتداولوها تداولاً عاماً في المواسم الخاصة، بمثابة استمرار منظم في مقاومة الخلافة. وهكذا أصبح التثقيف المذهبي عن طريق تلك الزيارات عاماً وشائعاً وشاملاً، رغماً عن إدارة السلطة الحاكمة، أي أنهم يقصدون بهذه المناظر البشعة المثيرة للنفوس، وبتلك الزيارات التي يجتمعون فيها بعشرات الآلاف أمام مشاهد الحسين وغيره من آل البيت، يقصدون بذلك ترسيخ وتجذير المخالفة للكتاب والسنة، وبث العقيدة الشيعية الرافضية في نفوس الناس.

 

يا عقلاء اليمن احذروا المد الرافضي:

والرافضة فرقة عقائدية طموحة، تسعى لنشر مذهبها، وإدخال الناس فيه بالترغيب والترهيب، وبشتى وسائل التأثير يدرسون النفسيات، ويدخلون إلى كل نفس من الباب الذي تهواه، صالحة هذه النفوس كانت أو طالحة. وبعد أن قامت دولتهم الحالية في إيران، ازداد نشاطهم، وتعاظم خطرهم، واستغلوا إمكانياتهم العظيمة في الدعوة إلى مذهبهم، وتغلغلوا في بلدان كثيرة، وهم يحاولون التغلغل في أماكن أخرى. وقد سبق منذ أن قامت الثورة الإيرانية الحالية إلى يومنا هذا، أن تغلغلوا في أماكن كثيرة في لبنان وفي سوريا وفي المغرب العربي، وفي بعض دول أفريقيا وفي الجاليات الإسلامية في دول الغرب.

 

وهذا ما حصل أيضاً في بلادنا اليمن، فقد فتحوا المراكز الثقافية، ونشروا كتبهم التي كانت ممنوعة قديماً، والتي كانت تُعد من الزندقة والضلال. تصور الفارق! فقد كانت كتب الرافضة ممنوعة يقال عنها: هذه كفر وضلال، ممنوع أن تدخل البلاد، واليوم، والحمد لله الغالبية العظمى هم من السنة. والظاهر هو مظهر السنة، مع ذلك أصبحت هذه الكتب مباحة، بل وتنشر في كل مكان وتوزع بالمجّان، ويجول دعاتهم في كثير من الأماكن، وفتحت أبواب جامعاتهم أمام الشباب اليمني، جاءت منح من جامعات إيران لشباب يمنيين يأخذونهم للدراسة هناك، بمبررات دراسة العلوم المختلفة في الظاهر، ولتعبئة عقولهم وقلوبهم بمبادئهم الضالة.

 

والكل يعلم ما يترتب على الانتداب أو على المنح الدراسية، فكثير ممن درسوا في الماضي في الاتحاد السوفيتي وفي دول أوربا الشرقية عادوا شيوعيين وعادوا اشتراكيين. أقول كثيراً؛ حتى لا يقول أحد أنت تتهم الناس كلهم بأنهم شيوعيون. وكذلك كثير من الذين درسوا في العراق وسوريا عادوا بعثيين، وفي مصر وليبيا عادوا ناصريين، ومن يدرسون في جامعات إيران بماذا تراهم يرجعون؟! الحقيقة التي لا مراء فيها: أن الأرض الخصبة القابلة لانتشار العقيدة الرافضية، موجودة في نواحٍ متعددة من اليمن، وعند فئات وطوائف من الشعب اليمني معروف. فبعض من الشيعة الزيدية، نتيجة للتعصب والجهل، قابل للتردي والوصول إلى الرفض، عنده استعداد أن يغلو حتى يكون رافضياً، ولهذا يقول ابن الوزير، وهو إمام من أئمة اليمن المعروفين: ائتني بزيدي صغير أخرج لك رافضياً كبيراً.

 

الصوفية ربيبة الرافضة:

والصوفية التي في بلادنا هي ربيبة الرافضة ورضيعة لبانها. وقد قدمت أن الأسرة الصفوية التي أقامت أكبر دولة شيعية في إيران والعراق في الماضي كانت سنية، وكانت صوفية، فتحولت إلى الرفض، بل إلى أقصى حدوده، وحوّلت معها أمماً من الناس بشتى الوسائل، أي أن الصوفية والشيعة يسيرون بخط واحد.

فإذا كانت الغلبة للتشيع تظاهر أو مشى وراءهم الصوفية، وإذا كانت الغلبة لأهل السنة رجع الصوفية مع أهل السنة! وهناك أسر أصولها شيعية ولا زالت عبر التاريخ يخرج من صفوفها من يحن إلى تلك الأصول، بل ويعلن رجوعه إليها، ويشارك الرافضة في السب واللعن لرموز من أهل السنة، بل والصحابة، فهؤلاء جميعاً مهيئون لقبول الدعوة الرافضية والانخراط في صفوفها، ومحاولة إدخال البلد بأسره إلى تلك الحظيرة النجسة.

إذا لم يتنبه العقلاء لذلك، فبلادنا في خطر من المد الرافضي(8). وما فتنة الحوثي الأخيرة إلا شاهد حي على ما تزرعه هذه الفرقة من الانحراف العقائدي والشبهات الفكرية في عقول المغرر بهم، بحجة حب آل البيت وتعظيم مقامهم.

 

الرفض ليس مذهباً وإنما عقيدة ضالة منحرفة غالية:

والرافضة التي نحذر منها ليست مجرد اسم، وليست مجرد مذهب من المذاهب كما قد يتصور بعض الناس فيقولون: ما هذا الكلام وهذه المبالغة والمغالاة. لا، الأمر أبعد من ذلك بكثير، فهذه الفرقة فرقة بعيدة في الضلال، موغلة في الانحراف، بالغ العلماء في ذمّها وتبديعها وتفسيقها، بل أوصل بعضهم غلاتها إلى الخروج عن الإسلام ومنع من عدّهم من فرق المسلمين، وذلك لما احتوت عليه عقائدها من أصول الضلال والانحراف، فهي فرقة بنتْ مذهبها على الغلو في كل شيء: غلو في المحبة، حيث غلت في أئمتها، فأصبغت عليهم صفات الألوهية وصفات الرسل، وفضلتهم على الأنبياء والمرسلين وعلى الملائكة المقربين. وغلت في بغضها، فسبت ولعنت وفسّقت وكفّرت من خالفها حتى أكابر الصحابة لم يسلموا منها إلا نفر قليل، أما بقيتهم فقد أصابهم بغضها وعدوانها وسبها، حتى أبو بكر وعمر لم يسلما من لعنهم كما هو معلوم. وغلت في موالاتها، فجعلت موالاة أئمتها هو الدين والإيمان والتوحيد، يعني آيات التوحيد التي في القرآن التي يأمر الله فيها بتوحيده لا شريك له، قالوا: هذا معناه موالاة أهل البيت.

 

وغلت في براءتها، فتبرأت من كل من لم ير رأيها ويقول بقولها.

وقد حاولت أن تحمل الإمام زيد بن علي على البراءة من أبي بكر وعمر، فأبى وقال: هما وزيرا جدي. فرفضته، ولذلك سميت الرافضة. وغلت في مشاهد أئمتها، وعلى رأسها كربلاء، ففضلتها على الكعبة! وهناك نصوص كثيرة في كتبهم يقولون فيها: إن كربلاء وموضع قبر الحسين أفضل عند الله من الكعبة! وغلت في القرآن، فزعمت أن الصحابة اختصروا وحذفوا منه كل ما يتعلق بولاية علي رضي الله عنه! القرآن المجمع على أنه هو المحفوظ بين دفتي المصحف، ثم قالوا: لا، هذا مختصر ومحرف! وغلت في عداوتها لمن سواها من الفرق وعلى رأسها أهل السنة، يقولون في كتاب من كتبهم الشهيرة اسمه (بحار الأنوار) تظهر فيه عداوتهم لأهل السنة بل والمسلمين جميعاً إلى حد استباحة دمائهم، يقولون في هذا الكتاب من كتبهم المشهورة المعروفة:"ما لمن خالفنا في دولتنا نصيب، إن الله قد أحل لنا دماءهم عند قيام قائمنا". هم ينتظرون خروج المهدي المنتظر من سرداب سامراء كما يزعمون، وقيامه معناه انتصار الدولة الشيعية. وعندها، فإن الله قد أباح لهم دماء المسلمين الآخرين جميعاً. ومنهم أهل السنة. هذا غيض من فيض ضلالهم وانحرافهم، كفانا الله شرهم.

 

الناصبة هم الفريق المقابل للرافضة:

الذي حصل من الرافضة بمناسبة قتل الحسين رضي الله عنه: غلو ونياحة وتفجع، إحداث بدع كبيرة وعظيمة، شق عصا المسلمين، تأليب رعاعهم وسفهائهم ليسبوا المسلمين وأئمتهم ويفسقوهم ويبدعوهم، بل ويكفروهم. وقد عاكسهم تماماً فريق آخر، هذا الفريق هو فريق الناصبة، والمقصود بالناصبة هم الذين يناصبون أهل البيت العداء، ظهر ذلك، عندما كانت الحرب قائمة بين علي ومعاوية -رضي الله عنهما- فأهل الشام بغضوا علياً وبغضوا أهل بيته، وصاروا يلعنونهم ويسبونهم، يعني عكس الذي يفعله الرافضة من سب أبي بكر وعمر وسائر الصحابة، أيضاً الناصبة يسبون أهل البيت. إذن، حصلت أمور متعاكسة، وطبعاً الناصبة يتكونون من أتباع بني أمية وأتباع الحجاج بن يوسف ومن الخوارج، فالخوارج ناصبة أيضاً؛ لأنهم يبغضون آل البيت ويبغضون الصحابة كلهم، قال ابن كثير رحمه الله:"وقد عاكس الرافضة والشيعة يوم عاشوراء النواصب من أهل الشام، فكانوا في يوم عاشوراء يطبخون الحبوب ويغتسلون ويتطيبون، ويلبسون أفخر ثيابهم، ويتخذون ذلك اليوم عيداً، ويصنعون فيه أنواع الأطعمة، ويظهرون الفرح والسرور، يريدون بذلك عناد الرافضة ومعاكستهم".

 

هذا الذي يفعله الناصبة يتخذونه يوم فرح، ويوم عيد ويوم أكل ولباس ويوم بهجة وسرور. ويروون الروايات لمن لا يفعل مثلهم من إظهار الفرح والسرور، فيقولون: إن المرأة أو الطفل الذي لا يتزين باللباس والحناء، وغير ذلك من مظاهر الزينة والفرح،يأتيه تلك الليلة جني يأخذه، أو يحصل له شيء، يأخذه ويذهب به، كل ذلك من أجل حث الناس على إظهار الفرح والسرور في عاشوراء.

 

ما يحصل في حضرموت يوم عاشوراء له صلة بما ذكر:

ولعل ما بقي في حضرموت من مظاهر الفرح واتخاذ ذلك اليوم وغير ذلك، كان مما ورثوه من الخوارج الأباضية، الذين حكموا حضرموت وانتشروا فيها قروناً، يعني قضية الفرح يوم عاشوراء، للأسف كانت موجودة في بعض بلداننا، في بعض قرانا وبعض ودياننا، كانوا يظهرون أنواعاً من الفرح يسمونه عيد الكرعان؛ لأنهم مساكين في تلك الأيام ليس عندهم قدرة يذبحون الذبائح فيجمعون كرعان الغنم طوال السنة، كلما ذبحوا ذبيحة جمعوا كرعانها، فإذا جاء ليلة عاشوراء طبخوها مع الدجر، وقالوا: هذه أكلة العيد عيد عاشوراء.

 

والناس -من آبائنا وأجدادنا- لا يعرفون شيئاً من هذا الكلام، وهم يفعلون هذا الشيء تقليداً. لكن، لو سألت واحداً منهم: لماذا تفعلون ذلك؟ لقال: لا أدري. وأنا أقول: ربما أن الذي ورّثهم هذه العادة هم الخوارج؛ لأن بلاد حضرموت قد حكمها الخوارج عدة قرون، وقامت فيها دولة لم تستقر في حضرموت فقط، وإنما وصلت إلى المدينة وهي دولة عبد الله بن يحيى، الذي يسمونه طالب الحق، فهو نشأ في شبام، واحتل صنعاء، واحتل مكة، ووصل إلى قرب المدينة، ثم استمر هذا الحال، واستقرت سلطة وصولة الخوارج في حضرموت مدة طويلة، ولم ينتهوا إلا في القرن السادس أو في القرن السابع تقريباً. إذن، يمكن أن يكون هذا من عاداتهم التي نشروها، وألفها الناس واستمرءوها.

 

فهي موروثة عن الخوارج الناصبة. وقد حذر العلماء رحمهم الله من بدع الطائفتين وضلالات الفريقين الهالكين بما يكفي ويشفي، قال السيوطي رحمه الله في كتابه (الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع):"ومن الأحداث المنكرة: ما يفعله بعض أهل الأهواء في يوم عاشوراء من التعطش والحزن والتفجع، وغير ذلك من الأمور المنكرة المحدثة التي لم يشرعها الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من السلف، لا من أهل البيت ولا من غيرهم، وإنما كانت مصيبة وقعت في الزمن الأول بقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما، يجب أن تُتلقى بما تُتلقى به المصائب من الاسترجاع المشروع والصبر الجميل، دون الجزع والتفجع وتعذيب النفوس الذي أحدثه أهل البدع في هذا اليوم، وضم إلى ذلك من الكذب والوقيعة في الصحابة البرآء أموراً أخرى مما يكرهه الله ورسوله". والأمر الشرعي الواجب عند المصيبة قد ذكره الله عز وجل في قوله: [الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ(156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ(157) ] {البقرة}.

 

قال:"وأما اتخاذ أيام المصائب مأتماً، فهذا ليس في دين الإسلام، بل هو إلى الجاهلية أقرب. ثم هم فوتوا على أنفسهم صوم هذا اليوم مع ما فيه من الفضل. وأحدث بعض الناس في هذا اليوم أشياء مبتدعة من الاغتسال والاختضاب والكحل والمصافحة.

وهذا أمور مبتدعة منكرة مستندها حديث مكذوب على الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما السنة صوم هذا اليوم لا غير. وقد روي في الفضل في التوسعة فيه على العيال حديث ضعيف، قد يكون سببه الغلو في تعظيمه من بعض النواصب لمقابلة الرافضة، فإن الشيطان يريد أن ينحرف الخلق عن الصراط المستقيم ولا يبالي إلى أي الجهتين صاروا، وإلى أي الفريقين المبتدعين مالوا".

 

وقد اطلعت -هنا في حضرموت- على كتاب مجموع فيه أحاديث باطلة، وقصص واهية تقرأ ليلة عاشوراء، هذا الكتاب فيه أحاديث موضوعة مكذوبة، وفيه قصص باطلة. وقد صرح العلماء أنه لا يصح من ذلك إلا استحباب صيام يوم عاشوراء. وما روي فيه مما سوى ذلك -كل ذلك- غير صحيح كما مر في كتاب السيوطي رحمه الله.

 

والخلاصة التي نخرج بها من هذا الحديث ومن ذكر ذلك الحدث الأليم:

أولاً: أن صيام يوم عاشوراء مستحب، وفيه فضل كبير، والسنة أن يخالف المسلمون فيه اليهود، فيصومون يوماً قبله أو يوماً بعده.

 

ثانياً: أن العلماء صرحوا أنه لا يستحب في هذا اليوم غير الصيام، وأن ما ورد مما سوى ذلك من أعمال مطلوبة لا يصح.

 

ثالثاً: أنه لا يستدل بصيام يوم عاشوراء وغيره من الأيام الفاضلة على استحباب الاحتفالات وإقامة الموالد وغيرها، وإنما الواجب الوقوف حيث أوقفنا الشرع، وحيث وقف سلفنا الصالح.

 

رابعاً: أن الحسين بن علي -رضي الله عنهما- قتل مظلوماً شهيداً في يوم عاشوراء؛ بسبب خيانة الشيعة في الكوفة وانقلابهم عليه لصالح بني أمية.

 

خامساً: أن اجتهاد الحسين رضي الله عنه كان خاطئاً، خالفه فيه كثير من الصحابة.

 

سادساً: أن مبدأ الخروج على الأئمة، الذي مضى عليه الشيعة والخوارج والمعتزلة، مبدأ خاطئ خالفهم فيه أهل السنة؛ وذلك لما يترتب عليه من فتن وأهوال، وفواقر تنزل بالأمة ودعاتها وعلمائها، وتزيد الطغاة جبروتاً وظلماً وعسفاً بالأمة، دون أن يحقق لها شيء من الخير. ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مقيماً خروج الحسين رضي الله عنه:"وقل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير"، ثم ذكر طوائف الذين خرجوا على الأئمة، ثم قال:"وأما أهل الحرة -يعني الذين قاموا على يزيد بن معاوية من أهل المدينة- وابن الأشعث -وهذا خرج على الحجاج- وابن المهلب خرج أيضاً على حكم بني أمية وغيرهم، فهزموهم وهزموا أصحابهم، فلا أقاموا ديناً ولا أبقوا دنيا، والله تعالى لا يأمر بأمر لا يحصل به صلاح الدين ولا صلاح الدنيا، وإن كان فاعل ذلك من أولياء الله المتقين ومن أهل الجنة"، ثم قال: "ولهذا، لما أراد الحسين رضي الله عنه الخروج إلى أهل العراق لما كاتبوه كتباً كثيرة، أشار عليه أفاضل أهل العلم والدين، كابن عمر وابن عباس وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ألا يخرج، وغلب على ظنهم أنه يقتل رضي الله عنه حتى قال بعضهم: أستودعك الله من قتيل.

 

وقال بعضهم: لولا الشناعة لأمسكتك ومنعتك من الخروج. وهم بذلك قاصدون نصيحته، طالبون لمصلحته ومصلحة المسلمين، والله ورسوله إنما يأمر بالصلاح لا بالفساد، ولكن الرأي يصيب تارة ويخطئ أخرى. فتبين أن الأمر على ما قاله أولئك ولم يكن في الخروج لا مصلحة دين ولا مصلحة دنيا، بل تمكن أولئك الظلمة الطغاة من سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتلوه مظلوماً شهيداً.

وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن حصل لو قعد في بلده، فإن ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشر لم يحصل منه شيء، بل زاد الشر بخروجه وقتله ونقص الخير بذلك، وصار ذلك سبباً لشر عظيم" هذا كله من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب ( منهاج السنة النبوية).

 

فإن قال قائل: إن الفرق شاسع، هذا كلام ابن تيمية في الأمة السابقة، الحكام السابقين الذين كانوا، وإن كان عندهم ظلم وجور، إلا أنهم مسلمون في الجملة، وأما اليوم فكثير من الحكام قد بدل شرع الله وقد أظهر الكفر وغير ذلك.

أقول: حتى وإن كان الأمر كذلك، فإن المقصود هو إزالة المنكر وإحلال المعروف مكانه، ولم يحصل فيما نعرفه من حركات قام بها الإسلاميون في العصر الحاضر في بلاد المسلمين ما حقق ذلك، بل العكس هو الذي حصل.

 

فعلى المسلمين أن يعوا ذلك، وألا ينساقوا وراء الحماس والعاطفة دون تحكيم شرع الله واستخدام العقل، وتقدير العواقب.

بل إن هناك استثارات كثيرة للمسلمين، للدعاة، للشباب المسلم في مواقف كثيرة يُستثارون؛ ليقوموا بعمل، هذا العمل يخسرون فيه ولا ينجحون، ويكون على تصرفهم هذا تبعات كبيرة وإجراءات قمعية من الأنظمة وتحطيم لبنى الدعوة وغير ذلك فعلى شباب الإسلام، وعلى دعاة الإسلام ألا يستغفلوا، وألا يجروا إلى ذلك الشيء.

 

سابعاً: بخروج الحسين رضي الله عنه ومقتله بالصورة التي مرت، انفتح على الأمة باب شر كبير، وفتنة عظيمة لا تزال آثارها إلى اليوم، وذلك باستغلال المندسين وراء الرافضة للحدث واستثماره أخس استثمار، كما حدث رد فعل معاكس من الناصبة، فأظهروا الفرح والبشاشة والشماتة، وعملوا طقوساً تنم عن ذلك، حقاً هي بدعة أخرى لا يجوز اتباعهم فيها.

 

ثامناً: ضرورة الحذر من الخطر الرافضي والذي كشفنا عن بعض وسائله، فيجب أن يحذر المسلمون منه، وأن يعاملوه بما يستحق من معاملة، ويحفظوا عند ذلك البيت المنسوب لعلي رضي الله عنه:

من لا عب الثعبان في كفه             هيهات أن يسلم من لسعته

هذا بيت ينسب لعلي رضي الله عنه هو خير مثال لنا ولهم؛ لأننا إذا قربناهم، فإننا لا نأمن من مكرهم.

انتهى المقصود والمراد، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 


(1) الحديث متفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب: صيام يوم عاشوراء ( الحديث 2005) ومسلم في كتاب الصيام، باب: فضل صيام يوم عاشوراء. مجلد (7/8) ص251. برقم (2653)

(2) انفرد به مسلم وأخرجه في كتاب الصيام، باب: صوم يوم عاشوراء مجلد (7-8) ص245برقم (2632).

(3) رواه مسلم وغيره، وأخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب: أي يوم يصام في عاشوراء، مجلد (7-8) ص254 برقم (2661).

(4) رواه مسلم وغيره، وأخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب: أي يوم يصام في عاشوراء، مجلد (7-8) ص254 برقم (2662).

(5) ينظر الحديث في مسلم وغيره

(6) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب الصلح، ومسلم في كتاب الأقضية. باب: نقص الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور. برقم (4467).

(7) متفق عليه وتخريجه بمثل الحديث الذي قبله.

(8) في العراق جماعة شيعية كبيرة، وهم مثقفون وحاملون للشهادات الجامعية ويأتي بعض هؤلاء كأساتذة في جامعاتنا، فيغرسون هذه العقيدة في نفوس الناس أو على الأقل يبثون شبهاتهم أمام الطلاب في هذه المرحلة الخطيرة من مراحل التعليم، لأننا لا نلتفت إلى هذا الجانب عند تقييمهم وقبولهم.

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع الشيخ أحمد المعلم