الخطب والمحاضرات

الامتحانات

2010-01-14



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له وأشهد أن لا إله إلا الله  وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، أشهد أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ولا يتبعها إلا كل منيب سالك،.فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وذريته أجمعين.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (102) سورة آل عمران

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}

 

عباد الله:

لقد حضركم موسم مهم، ومناسبة تحتاج إلى وقفة عندها، ألا وهي مناسبة الامتحانات، هذه المناسبة التي تهم كل بيت في هذا المجتمع، بل إن لها صلة كبيرة ببناء المستقبل وصياغة الأجيال القادمة؛ لأنها التقييم الشامل للعملية التعليمية، ومتى ما مشت بالطريقة الصحيحة، وسلمت من الغش، أظهرت مستوى طلابنا، ومستوى أداء مدرسينا، وأطلقت المختصين على اتجاه التعليم في البلد، ومكنتهم من القيام بالمعالجات الصائبة، وتلافي أوجه النقص وتنمية الإيجابيات فيها، وأما إذا مشت بطريقة غير سليمة؛ فإنها سوف تكرس الجهل وتفشل الخطط وتقضي على المواهب.

لذلك فإن لكل منا واجبات عليه أن يقوم بها لتؤدى الامتحانات على الوجه الصحيح.

أولها واجب الأسرة:

وهو أعظم الواجبات وأخطرها؛ لأن الله جعل هؤلاء الأولاد أمانة في أعناق أسرهم، وحمّلهم مسؤولية تربيتهم وتعليمهم، والعمل على إيصالهم أعلى المستويات في شتى نواحي الحياة، يقول تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا $ لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (73) سورة الأحزاب.

ومن أعظم الأمانة التي حملها الإنسان أمانة الأولاد، فإما أن يقوم بها على الوجه المطلوب، وإما أن يخونها فيتعرض لسخط الله سبحانه, ويؤكد هذا المعنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه {والرجل راعِ في بيته ومسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها} متفق عليه، وأعظم أهل البيت هم الأولاد، فمن فرط فيهم ولم يرعهم ويحافظ عليهم من أسباب الهلاك فقد خانهم، ومن لم يرشدهم إلى أسباب الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة وهو يعلم ذلك فقد غشهم.

  • 1. وعلى ذلك فإن الأولاد يحتاجون دائماً إلى عناية وترغيب في العلم، وغرس محبة المنافسة والمسابقة الشريفة في نفوسهم.
  • 2. كما يحتاجون هذه الأيام بشكل أقوى وأكثر إلى ضبطهم وإلزامهم بالمذاكرة، وإبعاد الشواغل عنهم من وسائل اللهو، وتوفير الجو المناسب لهم للإقبال على دروسهم.
  • 3. تربيتهم على الأمانة وحب العلم، لا على مجرد الفوز الأجوف الذي يُبنى على الغش دون أي معرفة بالعلم.
  • 4. التواصل مع المدرسة، التواصل معها لتحقيق تلك الأهداف وتحسين مستوى الطلاب.

ثانياً: مسؤولية الطالب والطالبة:

إن الطالب المسلم هو الذي يتربى على الأمانة ويكره الخيانة والغش، الذي يعمل على تحصيل العلم وليس فقط الحصول على الشهادة.

الذي يراقب الله ويعلم أنه يراه وإن غفل عنه المراقب، ويحاسبه وإن تساهلت معه إدارة المدرسة.

ولذلك فهو يعد عدته ليحصل على النتيجة بجدارة وليس بالغش، ويحصل على شهادة حق لا على شهادة زور.

فإن الغش ذنب عظيم، بل كبيرة من الكبائر يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: { من غشنا فليس منا } رواه مسلم، وسبب ورود هذا الحديث الغش في بيع كوم من طعام قد لا يتضرر به إلا شخص أو اثنان، فكيف بالغش في الامتحانات الذي تتضرر به الأمة كلها.

أتدري أيها الطالب كيف تجني على الأمة كلها حين تغش؟ إنك تساهم في إضعاف التعليم وإفراغه من محتواه، وتسهم في تجهيل نفسك وتجهيل الأمة كلها حين يُقتدى بك في الغش ويعتمد الطلاب كلهم عليه، إنك تجلب الخطر على كل من تتعامل معهم.

في مجال وظيفتك بعد التخرج ومجال عملك كله، وإن من المفاسد القريبة والمباشرة للغش الإفساد إفساد الكتب بتقطيعها، حيث يأخذ منها الطالب الأوراق التي يحتاج إليها، فيمزقها ثم يرميها في أي مكان، وهذا إهانة للعلم، بل إن كان ذلك من القرآن والتربية الإسلامية؛ فإن رميه وإهانته قد يصل إلى حد الردة عن الإسلام والعياذ بالله.

ابني الطالب: اعلم أن النتائج بيد الله فاطلبها بمرضاته، اقبل على طاعته، تجنب معصيته، تضرّع بين يديه، لعله أن يهدي قلبك وينور بصيرتك ويلهمك الجواب السديد، دع المعصية حتى  لايظلم قلبك.

 

ثالثاً:واجب المدرسة:

إن المدرسة المثالية هي التي تعمل على بث العلم الصحيح والخلق الحسن والسلوك السوي والأمانة التامة، وتتحمل في سبيل ذلك كل ما يمكن من صعاب ومشاق والعاقبة للمتقين.

فالمدرسة التي تأخذ طلابها بالجد وتربيهم على العلم والاستقامة، هي التي تكون لها العاقبة في الدنيا والآخرة، وإن هبطت نسبة النجاح فيها ما دام أنها قد عملت ما في وسعها بالطرق الصحيحة.

وأما المدرسة التي تحرص على إظهار مستوى نجاح عالِ، ولو كان لا يمثل الحقيقة ولا يحكي الواقع، فإنها مدرسة فاشلة مذمومة خاسرة في الدنيا والآخرة، وكل مدير أو مدرس من هذا النوع فإنه يتحمل وزره ووزر من خرجهم بالغش وهم جهلة؛ فأفسدوا ولم يصلحوا حينما مارسوا أعمالهم {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ} (25) سورة النحل.

فواجب المدرس أن يتقي الله ويقوم بالرقابة على وجهها الصحيح، يرضى من رضي، ويغضب من غضب، وينجح من نجح بجدارة، ويرسب من لم يعد لهذا اليوم عدته.

وعلى مدير المدرسة ومسئول الامتحانات أن يتقي الله في تلك المسؤولية التي حملها، فيحاسب كل من خان واجبه، ولم يؤدِ أمانته، ولم يقم بما يجب عليه من المراقبة الصحيحة، وإلا فإنه مجرم في حق الأمة كلها.

وعلى وزارة التربية أن تتقي الله في الأجيال التي تحملت أمانتها، وفي مستقبل البلد والأمة ومستقبل التعليم الذي ينذر بخطر كبير، حتى اتجه قطاع كبير من الطلاب إلى الإهمال وعدم التحصيل وأخذا لأمور بسطحية كاملة وبغير مسؤولية؛ لأنهم يضمنون النجاح بواسطة الغش، وعلى هذا فإن العلم يتقلص، والابتكار ينعدم، والتفوق الصادق يتراجع، وحتى الطالب الجاد والحازم يُحبط حين يرى جهده وجهاده لا يبلغه مستوى من عاش طيلة العام يلعب ويلهو، ثم بالغش حصل على مستوى جيد.

فليتق الله كل مسئول، ولنعمل جميعاً على حماية بلادنا من الجهل المقنَّع والأمية المبطّنة التي تنتظر أجيالنا، بسبب تفشي ظاهرة الغش.

{وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (105) سورة التوبة

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع الشيخ أحمد المعلم