الخطب والمحاضرات

أسباب سخط الله وبطشه وانتقامه

2010-02-15



أسباب سخط الله وبطشه وانتقامه

مسجد خالد بن الوليد

17 شعبان 1425هـ

– خطبة الحاجة والوصية والتقوى

عباد الله :

إن من لطف الله بعباده ورحمته بهم أن حذرهم من أسباب سخطه وبطشه وانتقامه، فوصف نفسه في كتابه بقوله في أكثر من موضع بألفاظ متقاربة: ( إن الله شديد العقاب ) وقوله تعالى: ( إن الله شديد العذاب ) وقوله عز وجل: ( وهو شديد المحال ).

وهذا من أسباب نقمته كما قال عز وجل: ( ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام )، وقال: ( إنا من المجرمين منتقمون ) وقد ظهرت آثار هذه الصفات فيمن عتوا وتجبروا وأجرموا، قال تعالى عن قوم فرعون: ( فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ).

وقال عن سائر الأمم المكذبة وكيف أدركهم غضبه وانتقامه حين أصروا على كفرهم وعنادهم: ( فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ).

وقد قص الله تعالى ذلك علينا ليكون لنا عبرة حتى لا نقع فيما وقعوا فيه فيصيبنا ما أصابهم، قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى ) وأخبر سبحانه أن سبب المصائب والفساد في الأرض إنما هو ذنوب العباد ومعاصيهم، قال سبحانه: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) وقال سبحانه: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) وعقوبات الله سبحانه وتعالى وعذابه الدنيوي ليس محصوراً بنوع معين، فقد تتنوع بين الخسف والمسخ والقذف والإغراق والريح والصيحة.

كما شمل نقص الثمرات وقلة البركات كما قال تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ).

 

تعليق على الآيات:

1 – هذه سنة المتكبرين قديماً وحديثاً، فموسى قديماً هو في نظر الطغاة سبب تلك النكبات وأما ما يكون من خير فهم أهله والجديرون به، وفي هذا الزمان الإسلام - الذين يسمونه الإرهاب - هو سبب كل مصائب الدنيا، لكن هذا الذي يجري اليوم إنما هو للتذكير والإشعار بسخط الله، فمن خافه ورجع وإلا يأتي عذاب الاستئصال.

فالله أنذر فرعون وقدم له أنواعاً من العقوبات المؤقتة لعله يرجع، فكانت العقوبة تحل ثم ترفع لعله يتذكر لعله يخاف لعله ينيب، فلما أصر جاء عذاب الاستئصال: (فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ).

وقال عن أمم أخرى عاملهم بهذه السنة فلما يستفيدوا ولم يرعووا فجاء عذاب الاستئصال، قال تعالى (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).

هذا دأب فرعون العصر أمريكا وحلفائها ودولة اليهود الصهاينة، ينذرهم الله بأنواع من العقوبات المؤقتة: فكراهية العالم لهم، والتدهور الاقتصادي، والأعاصير والحرائق، والأوبئة المتكررة، كل ذلك إنذار وما زالوا يتجاهلونها ويعرضون عنها، ولكن عن قريب إن شاء الله يأتيهم عذاب الاستئصال، إن هذه المجازر التي تحدث للأبرياء المظلومين في العراق وفلسطين وأنواع الفساد في الأرض، والإجرام الذي فاق إجرام فرعون والنمرود لن يذهب سدى، ولكن له أمد لا بد أن يصله كما أمهل الله من قبلهم ثم أخذهم أخذ عزيز مقتدر (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) وقد قال الله تعالى منذراً هؤلاء الظالمين ومبشراً عباده المؤمنين المظلومين: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ).

عباد الله:

هذه عقوبات نزلت بأعداء الرسل من الأمم السابقة، ومتوقع أن ينزلها الله أو أعظم منها بأعدائه وأعداء رسله من الكفار المعتدين المعاصرين، وما الإتحاد السوفيتي الظالم الملحد المعتدي وما نزل به من الذل والهوان والشتات عنا ببعيد، وسيلحق به كل ظالم مستكبر،ولكن السؤال المهم هل هذه العقوبات مقصورة على الكفار أعداء الرسل أم أن أتباع الرسل إذا فسقوا وأجرموا تنزل بهم أنواع من العقوبات؟.

الجواب بلى، إن أتباع الرسل إذا فسقوا وأجرموا وهادنوا الفساد والإجرام فلم ينكروه معرَّضون لعقوبات عظيمة تليق بإجرامهم وفسادهم وأمامنا اليهود والنصارى:

فاليهود: ضربهم الله بأنواع من العقوبات:

منها عقوبة أصحاب السبت حيث بغوا واعتدوا وتحايلوا على محارم الله، فمسخهم الله قردة وخنازير، وسلط عليهم أعدائهم حين أفسدوا في الأرض، كما ذكر ذلك في سورة الإسراء، وحين نكلوا عن الجهاد وخافوا الأعداء أشد من خوف الله أنزل الله عليهم رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون، وحينما تعنتوا على رسولهم وآذوه وطلبوا منه مطالب غير لائقة وأتبعوا ذلك بأذية الرسل وقتلهم ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة وباؤا بغضب من الله، وحينما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتولوا الكافرين لعنهم الله، كما قال الله تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ).

وهكذا النصارى عاقبهم الله تعالى بنسيانهم بعض ما ذكروا به أي الإعراض عن بعض دينهم مع عملهم بالبعض الآخر، قال تعالى ( وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ).

 

 

الخطبة الثانية

الحمد والثناء والوصية

عباد الله:

إن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة مرحومة، قد ضمن الله لها السلامة من بعض عقوبات الأمم: مثل أن يهلكوا بسنة عامة، ومثل أن يسلك عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم – أي: مجتمعهم وموضع سلطانهم ومستقر دعوتهم أي يجعلهم له مباحا لا تبعة عليه فيهم ويسبيهم وينهبهم.

ولكن الله يؤدب هذه الأمة حينما يظهر منها بعض الانحراف عن المنهج القويم، حتى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.

ففي يوم أحد أدبهم بالقتل والجرح وغلبة العدو كما قال تعالى: (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ) ، ولما تساءلوا كيف وقع ذلك جاء الجواب: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، وقال عن تأديبهم يوم حنين: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ).

هذا ما وقع لخير جيل من أجيال هذه الأمة فكيف بمن بعدهم.

لقد أنذر الله بوقوع عقوبات كثيرة لهذه الأمة إن هي ارتكبت بعض معاصي الله، فقال تعالى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ )، وقال عن المتمادين في الربا وأكله وأكل أموال الناس بالباطل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ )، وقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: ( سيكون في آخر هذا الزمان خسف وقذف ومسخ إذا ظهرت المعازف والقينات واستحلت الخمور ) ( [1] ) .

وقال محذراً أصحابه فضلاً عمن بعدهم: (يا معشر المهاجرين خصال خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة فى قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التى لم تكن مضت فى أسلافهم الذين مضوا، ولا ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم فأخذوا بعض ما كان فى أيديهم، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) ( [2] ) .

وقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)) ( [3] ).

فهذه أنواع من العقوبات الدنيوية.

 

 


 

[1] أخرجه أحمد والترمذي والطبراني واللفظ له، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2203).

[2] شعب الإيمان للبيهقي (3/196)، سنن ابن ماجه: كتاب الفتن (4019)، مستدرك الحاكم (4/582) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وحسّنه الألباني في السلسلة الصحيحة (113).

[3] سنن أبي داود: كتاب البيوع (3462)، وأخرجه أيضا أحمد (4825، 5007، 5562)، وصححه ابن القطان كما في التلخيص الحبير (3/19)، وقوّاه ابن القيم في تعليقه على سنن أبي داود (5/104)، وصححه الألباني لمجموع طرقه في السلسلة الصحيحة (11).

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع الشيخ أحمد المعلم